كتاب رؤوس المسائل للزمخشري

والتزام مذاهب المتقدمين (¬1)، فقد بدأ طور جديد في الفقه الإِسلامي ذلك هو طور التهذيب والتنقيح، وتحرير أقوال علماء المذاهب وتوجيهها، والاستدلال لها والتفريع والتخريج عليها.
وجد في هذا العصر أعلام من الفقهاء الذين كان لهم دور كبير في تفصيل المذاهب وتطويرها وتهذيبها، وكان لهم أثر كبير في الأجيال من بعدهم: بأخذ أقوالهم وترجيحاتهم في المذهب. فعلى سبيل المثال في مذهب الحنفية عاصر الزمخشري فقهاء من الطبقة الثالثة: "طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب، كالسرخسي (م 483 هـ) "، وبعض فقهاء الطبقة الخامسة: "طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين، كالقدوري (م 428 هـ) " (¬2).
وكان وما زال التعويل والاعتماد على أقوالهم في المذهب، ويعد عصرهم المرحلة الثانية التي هي دور التوسع والنمو والانتشار في تطور المذهب الحنفي (¬3).
وهكذا في المذهب الشافعي، عاصر بعضًا من الفقهاء الذين كان التعويل على كتبهم، وجرى الاعتماد عليها في تحرير الذهب، كالشيرازي (م 476 هـ) في كتابه " المهذب "، والغزالي (م 505 هـ) في كتابه "الوسيط" (¬4).
وكان الفقه الشافعي في هذا العصر يعيش حركة نشطة للجمع بين طريقة العراقيين والخراسانيين، والتي تلاها تحرير المذهب على يد الإِمامين الجليلين: الرافعي (م 623 هـ)، والنووي (م 676 هـ) (¬5).
¬__________
(¬1) انظر: الدهلوي، الِإنصاف في بيان سبب الاختلاف في الأحكام الفقهية، ص 40؛ الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإِسلامي، 2/ 163؛ تاريخ المذاهب الفقهية، ص 7؛ خلاف، خلاصة تاريخ التشريع الإِسلامي، ص 5، 8.
(¬2) ابن عابدين، محمد أمين، حاشية ابن عابدين، 1/ 77.
(¬3) انظر: الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، "المذهب عند الحنفية" دراسات في الفقه الإِسلامي، 1403 هـ.
(¬4) النووي، المجموع شرح المهذب، 1/ 9.
(¬5) انظر: مقالة الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، "المذهب عند الشافعية"، ص 33 - 35.

الصفحة 23