كتاب رؤوس المسائل للزمخشري

بالتأليف إلا عالم ذو باع طويلة، واقتدار علمي كبير في الفقه، إذ أنه لا يتحدث عن مذهبه فحسب وإنما عن مذهبه ومذهب مخالفه مع ذكر أدلة كلا الطرفين، وسيتضح لنا جانب الإِبداع في كتابه هذا في قسم الدراسة الخاص به (¬1).
أولًا: لم يكن إنتاجه الفقهي قاصرًا على هذا الكتاب، بل إن له تأليف أخرى في فنون الفقه وهي: (معجم الحدود) في الفقه، و (المنهاج) في أصول الفقه (¬2).
ثانيًا: وأما كيفية عرضه وتناوله للموضوعات الفقهية، إذا عرضت مناسبة لذلك، ففي كتابه الكشاف في التفسير نجده يفسر آيات الأحكام ويتحدث عن المسائل الفقهية، ويعالجها بمهارة تدل على اطلاع واسع وإلمام كبير بآراء الفقهاء، مع مناقشة لآرائهم، وإن كان ولاؤه غالبًا لمذهبه الحنفي.

أمثلة ذلك من تفسير الكشاف:
قال الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬3).
"الهدي هو هدي المتعة، وهو نسك عند أبي حنيفة، ويأكل منه، وعند الشافعي يجري مجرى الجنايات، ولا يأكل منه، ويذبحه يوم النحر عندنا، وعنده يجوز ذبحه إذا أحرم بحجته، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} الهدي فعليه {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} أي في وقته، وهو أشهره، ما بين الإِحرامين: إحرام العمرة وإحرام الحج وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، والأفضل أن يصوم يوم التروية وعرفة ويومًا قبلهما، وإن مضى هذا الوقت لم يجزئه إلا الدم، وعند الشافعي: لا تصام إلا بعد الِإحرام بالحج تمسّكًا بظاهر قوله: {فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} بمعنى: إذا نفرتم وفرغتم من أفعال الحج، عند أبي حنيفة، وعند الشافعي هو الرجوع إلى أهاليهم ... ، {ذَلِكَ} إشارة إلى
¬__________
(¬1) كما سيأتي في ص 67، 74.
(¬2) انظر: وفيات الأعيان 5/ 169.
(¬3) سورة البقرة: آية 196.

الصفحة 49