كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 1)
[الذَّارِيَاتِ: 47-49] يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى خَلْقِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أَيْ: جَعَلْنَاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا رَفِيعًا {بِأَيْدٍ} أَيْ: بِقُوَّةٍ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ1، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَقَادِرُونَ2. وَعَنْهُ أَيْضًا: لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ عَلَى خَلْقِنَا3. وَقِيلَ: ذُو وسعة4. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ: قَدْ وَسَّعْنَا أَرْجَاءَهَا وَرَفَعْنَاهَا بِغَيْرِ عمد حتى استقرت كَمَا هِيَ {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} أَيْ: جَعَلْنَاهَا فِرَاشًا لِلْمَخْلُوقَاتِ {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} الْبَاسِطُونَ نَحْنُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نِعْمَ مَا وَطَّأْتُ لِعِبَادِي5. {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالسَّهْلِ وَالْجَبَلِ وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحُلْوِ وَالْمُرِّ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَالْجَامِدِ وَالنَّامِي وَالْمُتَحَرِّكِ وَالسَّاكِنِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أَيْ: لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْخَالِقَ وَاحِدٌ فَرْدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ ا. هـ. ابْنِ كَثِيرٍ وَالْبَغَوِيِّ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الْبَقَرَةِ: 164] قَالَ أَبُو الضُّحَى: لَمَّا نَزَلَتْ {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنْ كَانَ هَكَذَا فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 6 تِلْكَ فِي ارْتِفَاعِهَا وَلَطَافَتِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَكَوَاكِبِهَا
__________
1 ابن كثير "4/ 254".
2 البغوي "معالم التنزيل 5/ 229".
3 البغوي "معالم التنزيل 5/ 229".
4 البغوي "معالم التنزيل 5/ 229".
5 البغوي "معالم التنزيل 5/ 229".
6 من رواية وكيع عن سفيان عن أبيه عنه به "ابن كثير/ 208" وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح من الرابعة فالحديث معضل وسنده إليه صحيح فسفيان هو ابن سعيد بن مسروق وكلاهما ثقة.
الصفحة 101