كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)

ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ. مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ1. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُلِئَ عَمَّارٌ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ" 2 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" 3. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ4.
وَقَرَأَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ5 رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلَ الْأَنْفَالِ حَتَّى بَلَغَ {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الْأَنْفَالِ: 4] قَالَ حِينَ فرغ: إن هذا الْآيَةَ تُخْبِرُكَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ, وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ مُؤْمِنًا حَقًّا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ حَقًّا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَهُوَ شَاكٌّ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُكَذِّبٌ بِهِ, أَوْ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ. فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَقًّا مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ, وَلَا يَسْتَكْمِلُ الْإِيمَانَ إِلَّا بِالْعَمَلِ, وَلَا يَسْتَكْمِلُ عَبْدٌ الْإِيمَانَ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَقًّا حَتَّى يُؤْثِرَ دِينَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ, وَلَنْ يَهْلِكَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ. يَا سَفِيهُ مَا أَجْهَلَكَ, لَا تَرْضَى أَنْ تَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ حَتَّى
__________
1 البخاري تعليقا "1/ 109" في الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر. قال الحافظ في الفتح: هذا التعليق وصله ابن أبي خيثمة في تاريخه، لكن أبهم العدد. وكذا أخرجه محمد بن نصر المروزي مطولا في كتاب الإيمان له، وعينه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه من وجه آخر مختصرا كما هنا.
2 النسائي "8/ 111" في الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان. والحاكم "3/ 392-393" وابن ماجه "1/ 52/ ح147" في المقدمة، باب فضل عمار بن ياسر، وأبو نعيم في الحلية "1/ 139" وهو حديث صحيح.
3 مسلم"1/ 69/ ح49" في الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.
4 رواه أحمد في فضائل الصحابة "ح653" بإسناد فيه أيوب بن سويد الرملي وهو ضعيف جدا وتابعه ابن المبارك عند أبي خيثمة في فضائل أبي بكر "ص133" والبيهقي في الشعب "1: 25-26" وأبو عثمان الصابوني في عقائد السلف "ح110" فإسناده صحيح. ورواه عبد الله في السنة "ح823" بإسناد حسن.
ورواه معاذ في زيادات مسند مسدد والحكيم وحسنه في فضائل الصحابة ورسته في الإيمان "كنز المال ح35614".
5 من هنا: من كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله تعالى "ح818".

الصفحة 1011