كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)
4- الْعَاصِي لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ:
وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ فِي النَّارِ ... مُخَلَّدٌ بَلْ أَمْرُهُ لِلْبَارِي
تَحْتَ مَشِيئَةِ الْإِلَهِ النَّافِذَهْ ... إِنْ شَا عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَا آخَذَهْ
بِقَدْرِ ذَنْبِهِ إِلَى الْجِنَانِ ... يَخْرُجُ إِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ
"وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ" أَيِ: الْفَاسِقِ بِالْمَعَاصِي الَّتِي لَا تُوجِبُ كُفْرًا "فِي النَّارِ مُخَلَّدٌ" هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْفَصْلِ "بَلْ نَقُولُ أَمْرُهُ" مَرْدُودٌ حُكْمَهُ "لِلْبَارِي" فِي الْجَزَاءِ وَالْعَفْوِ "تَحْتَ مَشِيئَةِ الْإِلَهِ النَّافِذَهْ" فِي خَلْقِهِ "إِنْ شَاءَ" اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "عَفَا عَنْهُ" وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ "وَإِنْ شَاءَ آخَذَهْ" أَيْ: جَازَاهُ وَعَاقَبَهُ "بِقَدْرِ ذَنْبِهِ" الَّذِي مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهِ, كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةً مِنْ أَصْحَابِهِ: "بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا, وَلَا تَسْرِقُوا, وَلَا تَزْنُوا, وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ, وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ, وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ. فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجُرُهُ عَلَى اللَّهِ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ, وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ" فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ1, "وَإِلَى الْجِنَانِ يَخْرُجُ" مِنَ النَّارِ "إِنْ" كَانَ "مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ" كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَإِنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِرَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّحِمِينَ ثُمَّ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ.
وَالْعَرْضُ تَيْسِيرُ الْحِسَابِ فِي النَّبَا ... من يُنَاقَشِ الْحِسَابَ عُذِّبَا
فِي هَذَا الْبَيْتِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الِانْشِقَاقِ: 8] الْآيَاتِ. كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ
__________
1 البخاري "1/ 64" في الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار، وفي تفسير سورة الممتحنة، ومسلم "3/ 1333/ ح1709" في الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها.
الصفحة 1021