كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)

قَالَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ بَعْدَ سَرْدِهِ أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ بِأَسَانِيدِهَا قَالَ1: قَدْ رَوَيْنَا أَخْبَارًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْسَبُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ أَنَّهَا خِلَافَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَعَ كَثْرَتِهَا وَعَدَالَةِ نَاقِلِيهَا فِي الشَّفَاعَةِ وَفِي إِخْرَاجِ بَعْضِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا دَخَلُوهَا بِذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ, وَلَيْسَتْ بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ عِنْدَنَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ, وَأَهْلُ الْجَهْلِ الَّذِينَ ذَكَرْتُهُمْ فِي هَذَا الْفَصْلِ صِنْفَانِ: صِنْفٌ مِنْهُمْ مَنِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ أَنْكَرَتْ إِخْرَاجَ أَحَدٍ مِنَ النَّارِ مِمَّنْ يَدْخُلُ النَّارَ, وَأَنْكَرَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الشَّفَاعَةِ. الصِّنْفُ الثَّانِي: الْغَالِيَةُ مِنَ الْمُرْجِئَةِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ النَّارَ حُرِّمَتْ عَلَى مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله, تتأول هذا الْأَخْبَارَ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى خِلَافِ تَأْوِيلِهَا.
فَأَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِذِكْرِ الْأَخْبَارِ بِأَسَانِيدِهَا وَأَلْفَاظِ مُتُونِهَا ثُمَّ نُبَيِّنُ مَعَانِيهَا بِعَوْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ وَنَشْرَحُ وَنُوَضِّحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُخَالِفَةٍ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الشَّفَاعَةِ وَفِي إِخْرَاجِ مَنْ قَضَى اللَّهُ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ. ثُمَّ سَاقَ مِنْهَا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ, وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ" 2.
وَحَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا حُرِّمَ عَلَى النَّارِ؛ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" 3.
__________
1 التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل "ص327".
2 رواه مسلم "1/ 93/ ح91" في الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، وأبو داود "ح4091" والترمذي "ح1998" وابن خزيمة في التوحيد "ص328".
3 ابن خزيمة في التوحيد "ص328" من رواية عبد الوهاب الخفاف قال: أخبرنا سعيد "يعني ابن أبي عروبة" عن قتادة "وقع في المطبوع سعيد بن قتادة وهو خطأ" عن مسلم بن يسار عن حمران بن أبان عن عثمان بن عفان عن عمر ... الحديث. وإسناده حسن. وعبد الوهاب قديم السماع من سعيد. وسعيد أثبت الناس في قتادة. إلا أن مسلما رواه من حديث عثمان رضي الله عنه "1/ 55/ ح26" في الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة. وسيأتي.

الصفحة 1024