كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)
الْمَعْنَيَيْنِ. ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَدْخُلُ حَظِيرَةَ الْقُدُسِ سِكِّيرٌ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مَنَّانٌ" 1.
قَالَ: وَالْمَعْنَى الثَّانِي مَا قَدْ أَعْلَمْتُ أَصْحَابِي مَا لَا أُحْصِي مِنْ مَرَّةٍ أَنَّ كُلَّ وَعِيدٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى شَرِيطَةٍ, أَيْ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ وَيَصْفَحَ وَيَتَكَرَّمَ وَيَتَفَضَّلَ فَلَا يُعَذِّبُ عَلَى ارْتِكَابِ تِلْكَ الْخَطِيئَةِ, إِذِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ خَبَّرَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ أَنَّهُ قَدْ يَشَاءُ أَنْ يَغْفِرَ دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الذُّنُوبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاءِ: 116] قَدْ أَمْلَيْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ, وَاسْتَدْلَلْتُ أَيْضًا بِخَبَرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا الْمَعْنَى: وَسَاقَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ أَنَّ الْأَشْعَثَ وَهَبَ لَهُ غُلَامًا, فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا وَهَبْتُ لَكَ شَيْئًا. فَلَمَّا أَصْبَحَ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ غَضْبَانُ, إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ" 2.
قُلْتُ3: وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي قِصَّةِ الْبَيْعَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاسْمَعُوا الْخَبَرَ الْمُصَرِّحَ بِصِحَّةِ مَا ذَكَرْتُ أَنَّهَا جِنَانٌ فِي جَنَّةٍ وَاسْمُ الْجَنَّةِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ جَنَّةٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ لِتَسْتَدِلُّوا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِنَا الْأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا لِبَعْضِ الْمَعَاصِي لَمْ
__________
1 ابن خزيمة في التوحيد "ص367" بسند حسن. وأخرجه أحمد. "3/ 226" عن أنس بن مالك ولفظه "لا يلج حائط القدس: مدمن خمر، ولا العاق لوالديه، ولا المنان عطاءه" والبزار "كشف الأستار 3/ 355" إلا أنه قال: لا يلج جنان الفردوس، والطبراني في الأوسط وقال حضرة القدوس كما في المجمع "5/ 77" قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد وفيه ضعف لسوء حفظه.
2 ابن خزيمة في التوحيد "ص368"، والبخاري "11/ 558" في الإيمان، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} ، ومسلم "1/ 122/ ح138" فيه، باب وعيد من اقتطع حق المسلم بيمين فأجره بالنار.
3 يعني المصنف حافظ رحمه الله.
الصفحة 1036