كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)

يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا لِلصِّدِّيقِ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ قَالَ: إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ, قَالُوا: وَتُصَدِّقُهُ بِذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ, إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي خَبَرِ السَّمَاءِ يَأْتِيهِ, يَأْتِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. أَوْ كَمَا قَالَ.
[هَلْ رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ] :
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ الصَّالِحُ هَلْ رَأَى نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؟ فَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْكَلَامُ لِمُوسَى, وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1؟ وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الْأَنْعَامِ: 103] ؟ قَالَ: لَا أُمَّ لَكَ, ذَلِكَ نُورُهُ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَمْ يُدْرِكْهُ شَيْءٌ2. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ لَا تُحْصَى كَثْرَةً قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ3. وَعَنْهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ4. وَفِي رِوَايَةٍ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ5, رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَلَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 ابن خزيمة في التوحيد "ص197" وابن أبي عاصم في السنة "1/ 192/ ح442" والحاكم في المستدرك "1/ 65"، والنسائي في الكبرى كما في التحفة "5/ 165" وإسناده صحيح.
2 أخرجه الترمذي "5/ 395/ ح3279" في التفسير، باب ومن سورة النجم، وقال: هذا حديث حسن غريب وابن خزيمة في التوحيد "ص198" وابن أبي عاصم في السنة "1/ 190/ ح437". وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه واللالكائي في السنة كما في الدر المنثور "3/ 335" وفي إسناده الحكم بن إبان قال الحافظ عنه: صدوق عابد وله أوهام.
3 أخرجه ابن أبي عاصم في السنة "1/ 189/ ح435" وابن خزيمة في التوحيد "ص198" والحاكم في المستدرك "1/ 65" وإسناده صحيح.
4أخرجه مسلم "1/ 158/ ح175" في الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} والترمذي "5/ 396/ ح3281" في التفسير، باب ومن سورة النجم، وقال: هذا حديث حسن.
5 مسلم "1/ 158/ ح176" في الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} . وقد اضطربت الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما في إطلاق الرؤية أو تقييدها بالفؤاد. والصحيح تقييدها بالفؤاد، إذ هي أقوى الروايات عنه وهي هذه والتي سبقتها. وهي توافق حديثه عند أحمد مرفوعا "أتاني ربي الليلة في أحسن صورة -أحسبه يعني في النوم- فقال: يا محمد: أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ... " فذكره. وتوافق قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تفسير {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} كما سيأتي قريبا.

الصفحة 1068