كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)

هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟. قَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ؟ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: رَأَيْتُ نُورًا1.
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي قَوْلِهِ: " نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ": هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ عَلَى سِعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ: أَحَدُهُمَا الْإِثْبَاتُ وَمَعْنَاهُ إِنِّي أَرَاهُ, أَوْ كَيْفَ أَرَاهُ فَهُوَ نُورٌ أَوْ فإن ما أرى نُورٌ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ "رَأَيْتُ نُورًا". الْمَعْنَى الثَّانِي النَّفْيُ قَالَ: وَالْعَرَبُ قَدْ تَقُولُ "أَنَّى" عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا} [الْبَقَرَةِ: 247] الْآيَةَ, يُرِيدُونَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ, ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِهِ2.
وَلَهُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ فَقُلْتُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النَّجْمِ: 8] مَنْ ذَا يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: رَبِّيَ3. وَلَهُ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ3. وَلَهُ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ وَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ5. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنْ قَوْلِهِ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النَّجْمِ: 11] فَقَالَ عِكْرِمَةُ: تُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكَ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ رَآهُ, ثُمَّ قَدْ رَآهُ6. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: "لَمْ أَرَهُ
__________
1 مسلم "1/ 161/ ح178" في الإيمان، باب في قوله عليه السلام: نور أني أراه. وفي قوله: رأيت نورا.
2 ابن خزيمة "ص208".
3 ابن خزيمة في التوحيد "ص213" وعباد بن منصور ضعيف. وقال الحافظ: صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بآخرة وهو خلاف الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ولقد رآه نزلة أخرى". أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ... " وهذا يثبت ما قدمنا في حديث شريك وأنه قد وهم في بعض ألفاظه ومنها حين نسب التدلي لله عز وجل.
4 ابن خزيمة في التوحيد "ص199-200" وفيه المبارك بن فضالة والجمهور على طعن حفظه.
5 ابن خزيمة في التوحيد "ص202". وسنده صحيح إليه.
6 ابن أبي حاتم "ابن كثير 4/ 268" أخرجه ابن جرير في تفسيره "27/ 48" وسنده صحيح إليه. وتفسيره هذا هو خلاف الثابت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أن الذي رآه هو جبريل كما تقدم من حديث عائشة مرفوعا عند مسلم.

الصفحة 1069