كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)
بِعَيْنِي, وَرَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ" ثُمَّ تَلَا {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النَّجْمِ: 8] 1. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ, وَهُوَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ قَالُوا: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِيهِ نَظَرٌ2. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا أُمَّتَاهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعْرِيَ مِمَّا قُلْتَ, أَيْنَ أَنْتَ مِنْ "ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حدثك أن محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ -ثُمَّ قَرَأَتْ {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الْأَنْعَامِ: 103] {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشُّورَى: 51]- وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ. ثُمَّ قَرَأَتْ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لُقْمَانَ: 34] وَمَنْ حَدَّثَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ. ثُمَّ قَرَأْتُ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [الْمَائِدَةِ: 67] الْآيَةَ. وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ"3 هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: "يَا أَبَا عَائِشٍ ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ, قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي, أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التَّكْوِيرِ: 23] {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النَّجْمِ: 13] فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ, مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ".
__________
1 أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور "7/ 648" وابن أبي حاتم "ابن كثير 4/ 268" وابن جرير "27/ 49-50" وإسناده ضعيف. فيه محمد بن حميد الرازي وهو متهم. وموسى بن عبيدة وهو ضعيف. وهو خلاف الثابت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما تقدم من حديث عائشة وكما سنذكر تاليا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
2 البغوي "5/ 245" وابن كثير في تفسيره "4/ 267".
3 البخاري "8/ 275" في تفسير سورة المائدة، باب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ، وفي بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي تفسير سورة والنجم، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} .
الصفحة 1070