كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)
الْمُوجِبَةِ لِدُخُولِ جَهَنَّمَ, وَالْخُلُودِ فِي عَذَابِهَا الْأَلِيمِ الْمُقِيمِ, أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا. وَذَلِكَ تَأْوِيلُ دَعْوَةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ يَقُولُ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْبَقَرَةِ: 129] فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ تِلْكَ الدَّعْوَةَ الْمُبَارَكَةَ كَمَا قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَسَبَقَ عَلِمُهُ وَسَطَرَهُ فِي كِتَابِهِ, وَأَخَذَ عَلَى رُسُلِهِ الْمِيثَاقَ فِي الْإِيمَانِ بِهِ وَالْقِيَامِ بِنَصْرِهِ, كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 81-82] وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ: "كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ مُنْجَدِلٍ فِي طِينَتِهِ" 1 وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى "وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ" 2 يَعْنِي وَجَبَتْ لَهُ فِي الْكِتَابِ, وَلِأَنَّ السَّائِلَ قَالَ لَهُ: مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ, وَقَالَ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرُؤْيَا أُمِّي" 3 أَوْ كَمَا قَالَ, فَأَمَّا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ فَمَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ, وَأَمَّا بُشْرَى عِيسَى فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ
__________
1 أحمد "4/ 127 و128" وابن أبي عاصم في السنة "1/ 179/ ح409" والحاكم "2/ 418 و600" وصححه ووافقه الذهبي في الأول. وابن حبان "8/ 106". من حديث العرباض ولم أره عند الترمذي وفيه سويد بن سعيد. لم يوثقه إلا ابن حبان. وقال البخاري: لم يصح حديثه "تعجيل المنفعة ت371".
قال المصنف رحمه الله: على تقدير صحته ليس معناه أنه كان قد نبئ يومئذ ولا أنه ولد نبيا، ولم يبدأه الوحي إلا بعد تمام الأربعين من عمره, وذلك العمر الذي قال الله تعالى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} ، وقال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} الآية، وقال: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} . وقال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَان} ولعله قد بسط هذا المعنى في موضع غير هذا.
2 أحمد "5/ 59" وفي السنة "ص111" وابن أبي عاصم في السنة "1/ 179/ ح1410" وأبو نعيم في الحلية "9/ 53" والبخاري في التاريخ الكبير "4/ 1/ 374" وابن سعد "7/ 60" من حديث ميسرة الفجر. وهو صحيح.
3 أحمد "5/ 262" وابن سعد في الطبقات "1/ 102" من حديث أبي أمامة رضي الله عنه وإسناده حسن. وله شواهد أخرى.
الصفحة 1096