كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 1)

يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ, وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ فوق سبع سموات كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ. وَقَالَ أَيْضًا: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} : هُوَ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ, وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ الْجَارِيَةِ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَوَازُ السُّؤَالِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَيْنَ هُوَ؟ وَالثَّانِي جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ, وَقَدْ أَخْبَرَنَا تَعَالَى بِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْمُعْتَقَدِ لَهُ: بَابُ الْقَوْلِ فِي الِاسْتِوَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَأَرَادَ مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وَقَالَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} أَيْ: عَلَى الْأَرْضِ, وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ, وَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ , فَمَعْنَى الْآيَةِ أَأَمِنْتُمْ مَنْ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ1.
طَبَقَةٌ أُخْرَى 2:
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ: وَأَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ3 فِي التَّصَوُّفِ، قَالَ فِي كِتَابٍ لَهُ: بَابُ اسْتِوَاءِ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, فَسَاقَ الْحُجَّةَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَفِي أَخْبَارٍ شَتَّى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَعِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ وَاسْتِمَاعُهُ وَنَظَرُهُ وَرَحْمَتُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ
__________
1 الاعتقاد له ص "42-43".
2 كلام هذه الطبقة ورواياتهم في العلو للذهبي فانظره وانظر مختصره.
3 كتابه منازل السائرين شرحه الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين وهو مطبوع وفي كلام الهروي ما يقدح فيه كقوله "ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد".

الصفحة 201