كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 1)
نَبْعَثُ شَاهِدًا عَلَيْكَ. فَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ, فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ انْطِقِي فَيَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ, وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ, وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ, وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ"1 وَمِنْ تَرَاجِمِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ؛ بَابُ وَعِيدِ مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ2، وَالدَّلَالَةُ مِنْهُ وَاضِحَةٌ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي دَارِ الْآخِرَةِ. وَكَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْمَوْتِ, وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ, فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَحْثُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَّةِ وَإِقْرَارِهَا كَمَا أَتَتْ:
وَكُلُّ مَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ ... أَثْبَتَهَا فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ
أَوْ صَحَّ فِي مَا قَالَهُ الرَّسُولُ ... فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ وَالْقَبُولُ
"وَكُلُّ مَا" ثَبَتَ "لَهُ" أَيْ: لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "مِنَ الصِّفَاتِ" الثَّابِتَةِ الَّتِي "أَثْبَتَهَا" هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَفْسِهِ وَأَخْبَرَنَا بِاتِّصَافِهِ بِهَا "فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ" مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 115] وَقَوْلِهِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [الْقَصَصِ: 88] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 26-27] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الرُّومِ: 39] وَقَوْلِهِ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [اللَّيْلِ: 19] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الْإِنْسَانِ: 9]
__________
1 مسلم "4/ 2279/ ح2968" في الزهد والرقائق.
2 مثاله الإمام ابن القيم في حادي الأرواح "ص379" وقال: ومن تراجم أهل السنة على هذا الحديث: باب في الوعيد لمنكري الرؤية كما فعل شيخ الإسلام وغيره "حادي الأرواح ص380".
الصفحة 346