كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لُقْمَانَ: 23-24] . وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ" 1 وهذا هُوَ تَمَامُ الِانْقِيَادِ وَغَايَتُهُ.
"وَ" الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ, وَهُوَ أَنْ يَقُولَهَا صِدْقًا من قلبه يواطئ قَلْبِهِ لِسَانَهُ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 1-3] إلى آخر الآيات. وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوهَا كَذِبًا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [الْبَقَرَةِ: 8-11] ، وَكَمْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَأْنِهِمْ وَأَبْدَى وَأَعَادَ وَكَشَفَ أَسْتَارَهُمْ وَهَتَكَهَا وَأَبْدَى فضائحهم في غيرما مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ كَالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْفَالِ وَالتَّوْبَةِ وَسُورَةٍ كَامِلَةٍ فِي شَأْنِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" 2, فَاشْتَرَطَ فِي إِنْجَاءِ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنَ النَّارِ أَنْ يَقُولَهَا صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ, فَلَا يَنْفَعُهُ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ بِدُونِ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ, وَفِيهِمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَطَلْحَةَ بْنِ
__________
1 رواه الخطيب في تاريخه "4/ 369" والحكيم وأبو نصر السجزي في الإبانة "كنز العمال ح1084"، والديلمي في الفردوس "ح7791".
قال أبو نصر: حسن غريب, وكذلك قال النووي. قلت: فيه نعيم بن حماد وقد ضعف. "انظر جامع العلوم والحكم وكلام ابن رجب عليه" وضعفه الألباني.
2 البخاري "1/ 226" في العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم.
ومسلم "1/ 61/ ح32" في الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا.

الصفحة 422