كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)
وَبِرَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُخْرِجَنَّ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" 1 وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ مقتضٍ لِذَلِكَ, وَلَكِنَّ المقتضى عمله لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ إِلَّا بِاسْتِجْمَاعِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُقْتَضَاهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ, وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ لِلْفَرَزْدَقِ وَهُوَ يَدْفِنُ امْرَأَتَهُ: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً قَالَ الْحَسَنُ: نِعْمَ العدة, لكن لشهادة أن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شُرُوطًا فَإِيَّاكَ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ. وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرْضَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ لِمَنْ سَأَلَهُ: أَلَيْسَ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بَلَى, وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ, فَإِنْ أَتَيْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحُ لَكَ2, وَهَذَا الْحَدِيثُ: " إِنَّ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا سَأَلَكَ أَهْلُ الْيَمَنِ عَنْ مِفْتَاحِ الْجَنَّةِ فَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"3 وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا كَوْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَتَّبَ دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: "تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ" 4. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي
__________
1 هو من حديث الشفاعة الذي ذكر في عدة مواطن في هذا الكتاب وأخرجه البخاري "13/ 473، 474" في التوحيد، باب كلام الرب -عز وجل- يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. ومسلم في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة "1/ 182-184/ ح193".
2 ذكره البخاري تعليقا في الجنائز، باب من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله "3/ 109" ووصله في التاريخ وأبو نعيم في الحلية.
3 أحمد "5/ 242" وليس فيه ذكر قوله: "إذا سألك أهل اليمن". وفيه شهر بن حوب وهو ضعيف عن معاذ بن جبل وهو منقطع. وفيه إسماعيل بن عياش وروايته عن غير الشاميين ضعيفة وهو كذلك هنا.
4 البخاري "10/ 414" في الأدب، باب فضل صلة الرحم. مسلم "1/ 42، 43/ ح13" في الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة.
الصفحة 429