كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)
[الْمَائِدَةِ: 72] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الْحَجِّ: 31] ، وَقَالَ لِصَفْوَةِ خَلْقِهِ وَهُمُ الرُّسُلُ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَعْدَ أَنْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْأَنْعَامِ: 88] ، وَقَالَ لِخَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزُّمَرِ: 65] ، فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ؛ وَلِهَذَا أَخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُهُ وَأَنَّهُ لَا أَضَلَّ مِنْ فَاعِلِهِ, وَأَنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ أَبَدًا لَا نَصِيرَ لَهُ وَلَا حَمِيمَ وَلَا شَفِيعَ يُطَاعُ, وَأَنَّهُ لَوْ قَامَ لِلَّهِ تَعَالَى قِيَامَ السَّارِيَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا ثُمَّ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ لَحْظَةً مِنَ اللَّحَظَاتِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ, فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ كُلُّهُ بِتِلْكَ اللَّحْظَةِ الَّتِي أَشْرَكَ فِيهَا وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا رَسُولًا, وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهَذَا مِنْ تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْمُحَالِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ, أَيْ: لَوْ قُدِّرَ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ مَلَكٍ أَوْ رَسُولٍ لَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي حُبُوطِ عَمَلِهِ وَحُلُولِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِ, وَإِلَّا فَلَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولًا إِلَّا مَعْصُومًا مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي فَضْلًا عَنِ الشِّرْكِ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الْأَنْعَامِ: 124] وَالْآيَاتُ فِي بَيَانِ عِظَمِ الشِّرْكِ وَوَعِيدِ فَاعِلِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ, وَفِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا لَا يُحْصَى, وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ:
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا, دَخَلَ النَّارَ" وَقُلْتُ أَنَا: وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا, دَخَلَ الْجَنَّةَ1. وَفِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَتَى
__________
1 البخاري "3/ 110" في الجنائز في فاتحته، وفي تفسير سورة البقرة، باب: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا". وفي الأيمان والنذور، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح أو هلل, فهو على نيته.
ومسلم "1/ 94/ ح92" في الإيمان، باب من لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
الصفحة 476