كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} 1 [التَّوْبَةِ: 113] .
وَالْأَحَادِيثُ فِي عِظَمِ ذَنَبِ الشِّرْكِ وَشَدَّةِ وَعِيدِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى, وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ أَحَادِيثِ التَّوْحِيدِ جُمْلَةً وَافِيَةً عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ أَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَنَفْيِ الشِّرْكِ فَلَمْ يَأْمُرُوا بِشَيْءٍ قَبْلَ التَّوْحِيدِ وَلَمْ يَنْهَوْا عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ الشِّرْكِ كَمَا قَدَّمْنَا بَسْطَ ذَلِكَ. وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى التَّوْحِيدَ مَعَ شَيْءٍ مِنَ الْأَوَامِرِ إِلَّا جَعْلَهُ أَوَّلَهَا, وَلَا ذَكَرَ الشِّرْكَ مَعَ شَيْءٍ مِنَ النَّوَاهِي إِلَّا جَعَلَهُ أَوَّلَهَا, كَمَا فِي آيَةِ النِّسَاءِ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النِّسَاءِ: 36] ، وَكَمَا فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي طَلَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْعَةَ عَلَيْهَا, وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ
__________
1 البخاري "7/ 193" في مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، وفي الجنائز، باب إذا قال المشرك: لا إله إلا الله عند الموت، وفي تفسير سورة براءة، باب قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} وغيره.
ومسلم "1/ 54/ ح24" في الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع.
الصفحة 481