كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ, فَلَمَّا اضْطَرَبَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ وَشَاهَدُوا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا شَاهَدُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ, فَإِنَّهُ لَا ينجيكم من هذا إِلَّا هُوَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ إِلَّا هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ إِلَّا هُوَ, لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ هَذِهِ لَأَذْهَبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَدِهِ1. وَهَذَا بِخِلَافِ مُشْرِكِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ مِنْ عُبَّادِ الْقُبُورِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي الشِّدَّةِ أَضْعَافَ شِرْكِهِمْ فِي الرَّخَاءِ, حَتَّى إِنْ كَانُوا يُنْذِرُونَ لِهَذَا الْوَلِيِّ فِي الرَّخَاءِ بِبَعِيرٍ أَوْ تَبِيعٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَصَابَتْهُمُ الشِّدَّةُ, زَادُوا ضَعْفَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا لَهُ بَعِيرَيْنِ أَوْ تَبِيعَيْنِ أَوْ شَاتَيْنِ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمْ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَنَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ, وَغَلَا بَعْضُهُمْ حَتَّى جَعَلَ مِنْهُمُ الْمُتَصَرِّفَ فِي تَدْبِيرِ الْكَوْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَيَقُولُونَ فِيهِ: إِنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ وَلَا تَسْكُنُ إِلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ, تَعَالَى اللَّهُ وَتَقَدَّسَ وَجَلَّ وَعَلَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ أَوْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أَوْ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
يَقْصِدُهُ عِنْدَ نُزُولِ الضُّرِّ ... لِجَلْبِ خَيْرٍ أَوْ لِدَفْعِ الشَّرِّ
أَوْ عِنْدَ أَيِّ غَرَضٍ لَا يَقْدِرُ ... عَلَيْهِ إِلَّا الْمَالِكُ الْمُقْتَدِرُ
مَعْ جَعْلِهِ لِذَلِكَ الْمَدْعُوِّ ... أَوِ الْمُعَظَّمِ أَوِ الْمَرْجُوِّ
فِي الْغَيْبِ سَلَّطَانًا بِهِ يَطَّلِعُ ... عَلَى ضَمِيرِ مَنْ إِلَيْهِ يَفْزَعُ
__________
1 الصحابي هو عكرمة بن أبي جهل -رضي الله عنه- وحديثه رواه النسائي "7/ 105، 106" في تحريم الدم، باب الحكم في المرتد، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه, وسنده حسن.

الصفحة 485