كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)
وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ" 1. وَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ حَدِيثِ قُتَيْلَةَ, وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاوِ وَثُمَّ أَنَّهُ إِذَا عَطَفَ بِالْوَاوِ كَانَ مُضَاهِيًا مَشِيئَةَ اللَّهِ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ إِذْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا, وَإِذَا عَطَفَ بِثُمَّ فَقَدْ جَعَلَ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ تَابِعَةً لِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْإِنْسَانِ: 30] ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ: لَوْلَا اللَّهُ وَفُلَانٌ هَذَا, مِنَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ, وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: لَوْلَا اللَّهُ ثُمَّ فُلَانٌ ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 22] ، قَالَ: الْأَنْدَادُ هُوَ الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى صَفَاةٍ سَوْدَاءَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ, وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ وَحَيَاتِكَ يَا فُلَانُ وَحَيَاتِي وَيَقُولُ: لَوْلَا كَلْبَةُ هَذَا لَأَتَانَا اللُّصُوصُ الْبَارِحَةَ, وَلَوْلَا الْبَطُّ فِي الدَّارِ لَأَتَى اللُّصُوصُ, وَقَوْلُ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ, وَقَوْلُ الرَّجُلِ: لَوْلَا اللَّهُ وَفُلَانٌ, لَا تَجْعَلْ فِيهَا فُلَانًا, هَذَا كُلُّهُ بِهِ شِرْكٌ2.
[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ أُمُورٍ يَفْعَلُهَا الْعَامَّةُ مِنْهَا مَا هُوَ شِرْكٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ وَبَيَانُ الْمَشْرُوعِ مِنَ الرُّقَى وَالْمَمْنُوعِ مِنْهَا, وَهَلْ تَجُوزُ التَّمَائِمُ:
هَذِهِ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْعَامَّةُ غَالِبُهَا مِنَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ, لَكِنْ إِذَا اعْتَمَدَ الْعَبْدُ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَثِقُ بِهَا وَيُضِيفُ النَّفْعَ وَالضُّرَّ إِلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ شِرْكًا أَكْبَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ مُتَوَكِّلًا عَلَى سِوَى اللَّهِ مُلْتَجِئًا إِلَى غَيْرِهِ.
وَمَنْ يَثِقْ بِوَدْعَةٍ أَوْ نَابِ ... أَوْ حَلْقَةٍ أَوْ أَعْيُنِ الذِّئَابِ
أَوْ خَيْطٍ اوْ عُضْوٍ مِنَ النُّسُورِ ... أَوْ وَتَرٍ أَوْ تُرْبَةِ الْقُبُورِ
لِأَيِّ أَمْرٍ كَائِنٍ تَعَلَّقَهْ ... وَكَّلَهُ اللَّهُ إِلَى مَا عَلَّقَهْ
__________
1 "4/ 295/ ح4980" في الأدب، باب لا يقال: خبثت نفسي, وإسناده صحيح.
2 ابن أبي حاتم "ابن كثير 1/ 61" وإسناده حسن.
الصفحة 497