كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

عَنْ بَصَرِي, اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ" قَالَ: فَرَجَعَ وَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ بصره1. وقال يحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْمَدِينِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتَ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِآخِرَتِكَ, وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ" قَالَ: بَلِ ادْعُ اللَّهَ لِي. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ, يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى لِي, اللَّهُمَّ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَشَفِّعْهُ فِيَّ" 2. قُلْتُ: عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ هَذَا هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي فَرَّقَ التِّرْمِذِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَتِهِ, وَقَدْ قُلْنَا: الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الرَّازِيُّ التَّيْمِيُّ وَكِلَاهُمَا شَيْخٌ لِشُعْبَةَ وَكِلَاهُمَا صَدُوقٌ, فَيُحْتَمَلُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَمِعَهُ مِنْ عُمَارَةَ وَسَمِعَهُ شُعْبَةُ مِنْ كِلَيْهِمَا, وَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنْ هَذَا وَمَرَّةً عَنْ هَذَا, فَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ التَّيْمِيِّ وَسَمِعَهُ رَوْحٌ مِنْهُ عَنِ الْخَطْمِيِّ, فَحَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَعْلَمُ3. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنْ جَزَمْنَا بِصِحَّتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ لَهُمْ حُجَّةً وَلَا دَلِيلٌ عَلَى مَا انْتَحَلُوهُ بِأَفْكَارِهِمُ الْخَاطِئَةِ, فَإِنَّ هَذَا الْأَعْمَى إِنَّمَا سَأَلَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدُّعَاءَ لَهُ بِكَشْفِ بَصَرِهِ, وَهُوَ حَيٌّ حَاضِرٌ قَادِرٌ عَلَى مَا سَأَلَهُ مِنْهُ وَهُوَ الدُّعَاءُ, وَهُوَ يُؤَمِّنُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ" فَسَأَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ وَسَأَلَ قَبُولَ دُعَائِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِعِلْمِهِمُ التَّامِّ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ, وَبِهَذَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى, فَاجْتَمَعَ الدُّعَاءُ مِنَ الْجِهَتَيْنِ. وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- كَثِيرًا مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ بِالنَّصْرِ وَأَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ إِذَا أَجْدَبُوا, وَبِتَكْثِيرِ الطعام كما سأله مِنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ
__________
1 النسائي في عمل اليوم والليلة "ح660" والحاكم "1/ 526" وقال: على شرط البخاري, وأقره الذهبي.
2 أحمد "4/ 138" وسنده صحيح وليس فيه "السند" الخطمي بل المديني فقط, وقد ذكرها الطبراني في الكبير "ح8311" "أي: الخطمي المدني".
3 هذا لا يضر الحديث شيئا إن ثبت, وقد قدمنا أنه الخطمي فقط.

الصفحة 521