كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)
[هُودٍ: 100-102] الْآيَاتِ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ, إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ" 1. وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ, فَإِذَا كَانَ هَذَا الْخَطَرُ عَلَى مَنْ دَخَلَ دِيَارَهُمْ فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِهِمْ وَزِيَادَةً, فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]
وَمَنْ عَلَى الْقَبْرِ سِرَاجًا أَوْقَدَا ... أَوِ ابْتَنَى عَلَى الضَّرِيحِ مَسْجِدًا
فَإِنَّهُ مُجَدِّدٌ جِهَارَا ... لِسُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
"وَمَنْ عَلَى الْقَبْرِ" مُتَعَلِّقٌ بِأَوْقَدَ "سِرَاجًا" مَفْعُولُ "أَوْقَدَا" بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ, وَالْمَعْنَى: وَمَنْ أَوْقَدَ سِرَاجًا عَلَى الْقَبْرِ "أَوِ ابتنى" بمعنى: بنى وَزِيدَتِ التَّاءُ فِيهِ لِمَعْنَى الِاتِّخَاذِ "عَلَى الضَّرِيحِ" أَيْ: عَلَى الْقَبْرِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الضَّرْحِ الَّذِي هُوَ الشَّقُّ "مَسْجِدًا" أَوِ اتَّخَذَ الْقَبْرَ نَفْسَهُ مَسْجِدًا وَلَوْ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهِ "فَإِنَّهُ" أَيْ: فَاعِلُ ذَلِكَ "مُجَدِّدٌ" بِفِعْلِهِ ذَلِكَ "جِهَارًا" أَيْ: تَجْدِيدًا وَاضِحًا مُجَاهِرًا بِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ "لِسُنَنِ" أَيْ: لِطَرَائِقِ "الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى" فِي اتِّخَاذِهِمْ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا, وَأَعْيَادًا لَهُمْ يَنْتَابُونَهَا, وَيَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهَا, كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلَّذِينَ طَلَبُوا مِنْهُ ذَاتَ أَنْوَاطٍ: "اللَّهُ أَكْبَرُ, إِنَّهَا السَّنَنُ, قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ" 2. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ, حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ"؟ أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-3, وَقَدْ وَقَعَ
__________
1 البخاري "6/ 378، 379" في الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} . وفي المساجد، باب الصلاة في مواضع الخسف، وفي المغازي، باب نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحجر، وفي التفسير، باب {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} .
ومسلم "4/ 2286/ ح2980" في الزهد والرقائق، باب "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين".
2 الترمذي "4/ 475/ ح2180" في الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلك, وقال: حسن صحيح, ورواه أحمد "5/ 218" وإسناده صحيح.
3 البخاري "13/ 300" في الاعتصام، باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لتتبعن سنن من كان قبلكم". وفي الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
ومسلم "4/ 2054/ ح2669" في العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.
الصفحة 527