كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ, وَلَا قَبْرًا مُشْرَفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ1.
وَحَذَّرَ الْأُمَّةَ عَنْ إِطْرَائِهِ ... فَغَرَّهُمْ إِبْلِيسُ بِاسْتِجْرَائِهِ
فَخَالَفُوهُ جَهْرَةً وَارْتَكَبُوا ... مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَجْتَنِبُوا
"وَحَذَّرَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْأُمَّةَ عَنْ إِطْرَائِهِ" أَيِ: الْغُلُوِّ فِيهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ, إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ, فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" 2. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ, فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ" 3. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا وَسَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ, وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ, أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ, مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ4. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا فَقَالَ: "السَّيِّدُ اللَّهُ تَعَالَى" قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا فَقَالَ: "قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ, وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ" 5 وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حِمَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنَابَ التَّوْحِيدِ. وَكَمَا قَالَ لِمَنْ قَالَ: تعالوا بنا نستغث بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ, قَالَ: "إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي, وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ" 6. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ
__________
1 مسلم "2/ 666/ 969" في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر.
2 البخاري "6/ 422" في الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} وغيره, وليس هذا اللفظ عند مسلم, وأصل هذا الحديث عنده دون هذه الجملة.
3 النسائي "5/ 268" في الحج، باب التقاط الحصا. وابن ماجه "2/ 1008/ ح3021" في المناسك، باب قدر حصا الرمي. وأحمد "1/ 215 و347" وإسناده صحيح.
4 النسائي في عمل اليوم والليلة "ح248" وإسناده جيد كما قال.
5 النسائي في عمل اليوم والليلة "ح245" و"246" و"247" وسنده صحيح. ورواه أبو داود "ح4806" وأحمد "4/ 25".
6 رواه الطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت "المجمع 10/ 162" وفي سنده ابن لهيعة. ورواه أحمد من طريقه "5/ 317" الشطر الأول ولكن قال: "لا يقام لي, إنما يقام لله تبارك وتعالى".

الصفحة 532