كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 1)

وَالنَّارُ وَبِهِ حَقَّتِ الْحَاقَّةُ وَوَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَفِي شَأْنِهِ تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ وَتَتَطَايَرُ الصُّحُفُ وَفِيهِ تَكُونُ الشَّقَاوَةُ وَالسَّعَادَةُ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تُقَسَّمُ الْأَنْوَارُ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ. وَذَلِكَ الْأَمْرُ هُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ بِذَلِكَ وَمَعْرِفَةُ مَا يُنَاقِضُهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ, وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّشَبُّهِ وَاجْتِنَابُ ذَلِكَ وَالْإِيمَانُ بِمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ, وَتَوْحِيدُ الطَّرِيقِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمُتَابَعَةِ كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَالْعَمَلِ وَفْقَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَمَعْرِفَةُ مَا يُنَاقِضُهَا مِنَ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَيَمِيلُ بِالْعَبْدِ عَنْهَا فَيُجَانِبُهَا كُلَّ الْمُجَانَبَةِ وَيَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كِتَابَهُ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَقَالَ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: 35] . وَقَالَ: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 33] . وَأَرْسَلَ رَسُولَهُ بِذَلِكَ الْكِتَابِ مُبَلِّغًا وَمُبَيِّنًا لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَيُبَيِّنَهُ لَهُمْ أَتَمَّ الْبَيَانِ وَيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فيه يختلفون ويديهم بِهِ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَقَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النَّحْلِ: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يُوسُفَ: 111] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النَّحْلِ: 44] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النَّحْلِ: 64] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْمَائِدَةِ: 15-16] وَلَا شِفَاءَ لِلْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَلَا حَيَاةَ لَهَا إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالِاسْتِجَابَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الْأَنْفَالِ: 20-24] الْآيَاتِ،

الصفحة 56