كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 1)

عَلَى الثُّبُوتِ وَالِاسْتِمْرَارِ قَدَّمْتُهُ عَلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ عَطَفْتُ عَلَيْهِ الْإِنْشَائِيَّ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فَقُلْتُ:
أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ ... وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ
"أَحْمَدُهُ" أَيْ: أُنْشِئُ لَهُ حَمْدًا آخَرَ مُتَجَدِّدًا عَلَى تَوَالِي نِعَمِهِ وَتَوَاتُرِ فَضْلِهِ, فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ "سُبْحَانَهُ" أَيْ: تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِنُعُوتِ جَلَالِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ "كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ" 1, "وَأَشْكُرُهْ" عَلَى مَا أَنْعَمَ وَأَلْهَمَ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [الْبَقَرَةِ: 251] .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ هَلْ هُمَا مُتَرَادِفَانِ أَوْ لَا فَذَهَبَ إِلَى تَرَادُفِهِمَا ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ وَغَيْرُهُمَا وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا, وَقَالَ شَيْخُ الإسلام ابن تيمة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ يَتَضَمَّنُ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ عَلَى الْمَحْمُودِ بِذِكْرِ مَحَاسِنِهِ, سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْحَامِدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَالشُّكْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى إِحْسَانِ الْمَشْكُورِ إِلَى الشَّاكِرِ. فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمَحَاسِنِ وَالْإِحْسَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْمَدُ عَلَى مَا لَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالْمَثَلِ الْأَعْلَى وَمَا خَلَقَهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ
__________
البخاري "11/ 206" في الدعوات، باب فضل التسبيح. وفي الأعيان النذور، باب إذا قال والله لا أتكلم اليوم فصل أو قرأ. وفي التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} "13/ 537".
ومسلم "4/ 2072/ ح2694" في الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح.
والترمذي "5/ 512/ ح 3462" في الدعوات، باب رقم60 وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وابن ماجه "2/ 1251/ ح3806" في الأدب، باب فصل التسبيح.
والنسائي في عمل اليوم والليلة "ح830" وابن حبان "الإحسان 2/ 99 و103" كلهم من حديث محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة وهذا هو وجه الغرابة التي ذكرها الترمذي "الفتح 13/ 540".

الصفحة 71