كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

وَالطَّارِقِ وَالْغَاشِيَةِ وَالْفَجْرِ وَالْبَلَدِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّورِ, بَلِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ أَحْوَالِ الْيَوْمِ الْآخِرِ, وَتَفَاصِيلِ مَا فِيهِ وَتَقْرِيرِ ذَلِكَ بِأَصْدَقِ الْأَخْبَارِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِلِاعْتِبَارِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى دَلِيلِ ذَلِكَ لِكُلِّ امْرِئٍ بِأَنْ يَعْتَبِرَ فِي بَدَنِهِ وَيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى إِعَادَتِهِ, وَكَذَلِكَ إِحْيَاءُ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيُحْيِيهَا تَعَالَى بِالْمَطَرِ فَتُصْبِحُ مُخْضَرَّةً تَهْتَزُّ بَعْدَ مَوْتِهَا بِالْقَحْطِ وَهُمُودِهَا وَخُمُودِهَا وَاسْوِدَادِهَا, فِإِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهَا الْمَاءُ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ وَلِهَذَا يُذْكَرُ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى بَعْدَ ذِكْرِ إِحْيَائِهِ الْأَرْضَ لِيَسْتَدِلَّ مَنْ لَهُ قَلْبٌ شَهِيدٌ عَلَى الْآجِلِ بِالْعَاجِلِ وَعَلَى الْغَيْبِ بِالشَّهَادَةِ, فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} {كَذَلِكَ النُّشُورُ} {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا, وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهَا فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ, وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ, وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا, وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ" 1.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا حُرَيْزٌ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ جَحَّاشٍ قَالَ إِنَّ: رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَصَقَ يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا إِصْبَعَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَنِي آدَمَ, أَنَّى تُعْجِزُنِي، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِثْلَ هَذِهِ, حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْكَ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ, فَجَمَعْتُ وَمَنَعْتُ, حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتُ أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ" وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ بِهِ2.
__________
1 رواه البخاري 8/ 739 في تفسير سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
2 رواه أحمد 4/ 210 وابن ماجه 2/ 903/ ح2707 في الوصايا باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت قال البوصيري وإسناد حديثه صحيح, رجاله ثقات مصباح الزجاجة 2/ 365 قلت فيه عبد الرحمن بن ميسرة قال عنه الحافظ مقبول قلت وثقه العجلي وابن حبان ولكن روى عنه عدة, فالحديث حسن إن شاء الله تعالى وللحديث شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة.

الصفحة 762