كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

وَإِنْ كَانَ الِانْتِهَاءُ إِلَى نَعِيمٍ وَجَحِيمٍ وَلِهَذَا لَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعَةِ وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ أَيْ مُفَارَقَتِهِ وَمُعَادَاتِهِ فَلَا تُجَاوِرْهُ وَلَا تَوَالِيهِ, كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السنن "لا ترأى نَارَاهُمَا" 1 يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ والمشركين.
وقوله حيثما مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَقُلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ هَذَا إِرْسَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ لَا تَبْلِيغِ أَمْرٍ وَنَهْيٍ, وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سَمَاعِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ كَلَامَ الْأَحْيَاءِ وَخِطَابِهِمْ لَهُمْ, وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النَّارِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا قَدْ غَيَّرُوا الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الشِّرْكَ وَارْتَكَبُوهُ, وَلَيْسَ مَعَهُمْ حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ بِهِ, وَقُبْحِهِ وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ لَمْ يَزَلْ مَعْلُومًا مِنْ دِينِ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ وَأَخْبَارُ عُقُوبَاتِ اللَّهِ لِأَهْلِهِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَ الْأُمَمِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ, فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ رُبُوبِيَّتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَوْحِيدِ إِلَهِيَّتِهِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي كُلِّ فِطْرَةٍ وَعَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ آخَرُ, وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذِّبُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ وَحْدَهَا, فَلَمْ تَزَلْ دَعْوَةُ الرُّسُلِ إِلَى التَّوْحِيدِ فِي الْأَرْضِ مَعْلُومَةً لِأَهْلِهَا, فَالْمُشْرِكُ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِمُخَالَفَتِهِ دَعْوَةَ الرُّسُلِ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 أخرجه أبو داود 3/ 45/ ح2645 في الجهاد باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود, والترمذي 4/ 155/ ح1604 في السير باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين, والنسائي 8/ 36 في القسامة باب القود بغير حديدة, وسنده جيد وللحديث شواهد.

الصفحة 775