كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شفيعا لأصحابه, اقرءوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ, تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ" قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ1, وَمُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ.
وَفِيهِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ, تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ" وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ "كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ, أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا" 2 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يجيء ثواب قراءته, كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبه هذا من الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فَسَّرُوا, إِذْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَأَهْلِهِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا" فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّهُ يَجِيءُ ثواب العمل3 اهـ.
قُلْتُ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْآتِي هُوَ الْعَمَلَ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ, فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْآتِيَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ نَفْسُهُ فَحَاشَا وَكَلَّا وَمَعَاذَ اللَّهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى صِفَتُهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ, وَالَّذِي يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَعَمَلُهُ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصَّافَّاتِ: 96] .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ" قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ, يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ
__________
1 رواه مسلم 1/ 553/ ح804 في صلاة المسافرين باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.
2 رواه مسلم 1/ 554/ ح805 في صلاة المسافرين باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.
3 الترمذي 5/ 160 161/ ح2883 في فضائل القرآن باب ما جاء في سورة آل عمران.

الصفحة 846