كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

عَمَلِهِ كُلُّ ذَلِكَ يُوزَنُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِي بَيَانِ الْقُرْآنِ قَدْ وَرَدَتْ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا, وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي قِصَّةِ صَاحِبِ الْبِطَاقَةِ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ وَيُوضَعُ مَا أُحْصِيَ عَلَيْهِ فَيُمَايِلُ بِهِ الْمِيزَانُ قَالَ فَيُبْعَثُ بِهِ إِلَى النَّارِ قَالَ فَإِذَا أَدْبَرَ إِذَا صَائِحٌ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَا تُعَجِّلُوا فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَهُ, فيؤتى ببطاقة فيها لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, فَتُوضَعُ مَعَ الرَّجُلِ فِي كِفَّةٍ حَتَّى يَمِيلَ بِهِ الْمِيزَانُ" 1 فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُوضَعُ هُوَ وَحَسَنَاتُهُ وَصَحِيفَتُهَا فِي كِفَّةٍ وَسَيِّئَاتُهُ مَعَ صَحِيفَتِهَا فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى, وَهَذَا غَايَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا تَفَرَّقَ ذِكْرُهُ فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الْوَزْنِ, وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يَكْذِبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي وَأَضْرِبُهُمْ وَأَشْتُمُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَحْسِبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ, فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا, لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ, وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلًا لَكَ, وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ الَّذِي بَقِيَ قِبَلَكَ" فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَبْكِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَيَهْتِفُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا لَهُ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} " فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ فِرَاقِ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي عَبِيدَهُ- إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ2
__________
1 تقدم تخريجه سابقا.
2 رواه أحمد 6/ 280 والترمذي 5/ 320/ ح3165 في التفسير باب ومن سورة الأنبياء عليهم السلام وابن جرير في تهذيبه, وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر المنثور 5/ 632 قال الترمذي حديث غريب, لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان قلت هو ثقة, والحديث صحيح.

الصفحة 849