كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَحْوَالِ الْبَرْزَخِ ذكر الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَرُؤْيَةِ كُلِّ مَنْزِلَةٍ فِيهَا وَعَرْضِ مَقْعَدِهِ عَلَيْهِ وفتح باب أحدهما إِلَيْهِ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ وَأَرْوَاحَ الْفُجَّارِ فِي سِجِّينٍ وَغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَا لَا يُحْصَى, وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِنَا مَوْجُودَتَانِ.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ فِي دَوَامِهِمَا وَبَقَائِهِمَا بِإِبْقَاءِ اللَّهِ لَهُمَا وَأَنَّهُمَا لَا تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَا يَفْنَى مَنْ فِيهِمَا:
وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِنَا لَا فَنَاءَ لَهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التَّوْبَةِ: 100] وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الْحِجْرِ: 48] وَقَالَ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هُودٍ: 108] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: 54] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدُّخَانِ: 51-57] وَقَالَ تَعَالَى: {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الْوَاقِعَةِ: 33] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ, فَأَخْبَرَ تَعَالَى بِأَبَدِيَّتِهَا بِقَوْلِهِ: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: 54] وَأَبَدِيَّةِ حَيَاةِ أَهْلِهَا بِقَوْلِهِ: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدُّخَانِ: 56] وَعَدَمِ انْقِطَاعِهَا عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [الواقعة: 33] وَبِعَدَمِ خُرُوجِهِمْ بِقَوْلِهِ: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الْحِجْرِ: 48] وَكَذَلِكَ النَّارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النِّسَاءِ: 168] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الْأَحْزَابِ: 64] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ

الصفحة 863