كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 2)

جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (آلِ عِمْرَانَ: 24 - 25) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْمَعُوا لِي من كان ههنا مَنْ الْيَهُودِ" فَجَمَعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ" فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَبُوكُمْ" قَالُوا أَبُونَا فُلَانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبْتُمْ, بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ" فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ" فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَّبْنَاكَ عَرَفْتَ كِذْبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ لِأَبِينَا, قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَهْلُ النَّارِ" فَقَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا" ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ" قَالُوا: نَعَمْ فَقَالَ: "هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا" فَقَالُوا: نَعَمْ فَقَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ" فَقَالُوا أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ, وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ1.
وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ إمام الاتحادية محيي الزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ فِي آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَهْلَهَا يُعَذَّبُونَ فِيهَا ثُمَّ تَنْقَلِبُ طَبِيعَتُهُمْ وَتَبْقَى طَبِيعَةُ النَّارِيَّةِ يَتَلَذَّذُونَ بِهَا لِمُوَافَقَتِهَا طَبْعَهُمْ2.
وَقَالَ الْجَهْمُ وَشِيعَتُهُ إِنَّ الْجَنَّةَ والنار تفنيان كلتاهما لِأَنَّهُمَا حَادِثَتَانِ, وَمَا ثَبَتَ حُدُوثُهُ اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ, بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ فِي مَنْعِ تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ وَبَقَائِهَا بِإِبْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا.
وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ والقدرية، لم تكونا الْآنَ مَوْجُودَتَيْنِ بَلْ يُنْشِئُهُمَا اللَّهُ
__________
1 رواه البخاري 6/ 272 في الجزية باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم
2 ذكر ذلك في كتابه الهالك فصوص الحكم في نهاية فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية ص94

الصفحة 868