كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)

وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَةِ, وَوَصَفَهُمْ بِهِ, ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ إِلَّا عَلَى مَا أَقْدَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَلَا يَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَلَا يَفْعَلُونَ إِلَّا بِجَعْلِهِ إِيَّاهُمْ فَاعِلِينَ, كَمَا جَمَعَ تَعَالَى بَيْنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كتابه كقوله عزوجل: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الْأَعْرَافِ: 179] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الْمُزَّمِّلِ: 19] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التَّكْوِيرِ: 27-29] وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [الْبَقَرَةِ: 286] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطَّلَاقِ: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزُّخْرُفِ: 72] أَيْ: بِسَبَبِهِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السَّجْدَةِ: 14] وَقَالَ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَهْدِيُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ" 1.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابَ {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الْأَعْرَافِ: 43] {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزُّمَرِ: 57] حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهُوَ يَقُولُ: "وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا, وَلَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا, فَأَنْزِلَنَّ سَكِينَةً عَلَيْنَا, وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا, وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا, إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا" 2.
__________
1 رواه أبو داود "ح2118" والترمذي "ح1105" والنسائي "3/ 105" من حديث ابن مسعود وأصله في مسلم من حديث ابن عباس.
2 البخاري "11/ 515 -516" في القدر، باب في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} .

الصفحة 941