كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول (اسم الجزء: 3)

بِسِرِّ اللَّهِ فِي الْقَدَرِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: عَاتَبْتُ بَعْضَ شُيُوخِ هَؤُلَاءِ فَقَالَ لِي: الْمَحَبَّةُ نَارٌ تَحْرِقُ مِنَ الْقَلْبِ مَا سِوَى مُرَادِ الْمَحْبُوبِ, وَالْكَوْنُ كُلُّهُ مُرَادُهُ, فَأَيُّ شَيْءٍ أَبْغَضُ مِنْهُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا كَانَ الْمَحْبُوبُ قَدْ أَبْغَضَ بَعْضَ مَنْ فِي الْكَوْنِ وَعَادَاهُمْ وَلَعَنَهُمْ فَأَحْبَبْتَهُمْ أَنْتَ وَوَالَيْتَهُمْ أَكُنْتَ وَلِيًّا لِلْمَحْبُوبِ أَوْ عَدُوًّا لَهُ؟ قَالَ: فَكَأَنَّمَا أُلْقِمَ حَجَرًا. وَقَرَأَ قَارِئٌ بِحَضْرَةِ بَعْضِ هَؤُلَاءِ {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] فَقَالَ: هُوَ اللَّهُ مَنَعَهُ, وَلَوْ قَالَ إِبْلِيسُ ذَلِكَ لَكَانَ صَادِقًا, وَقَدْ أَخْطَأَ إِبْلِيسُ الْحُجَّةَ, وَلَوْ كُنْتُ حَاضِرًا لَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ مَنَعْتَهُ. وَسَمِعَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ قَارِئًا يَقْرَأُ {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فُصِّلَتْ: 17] فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ, بَلْ أضلهم وأعماهم ا. هـ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَيُقَالُ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ حَقًّا, الَّذِينَ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَلَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَلَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيْمِهِ وَلَا نَزَّهُوهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ, وَبَغَّضُوهُ إِلَى عِبَادِهِ وَبَغَّضُوهُمْ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ, وَأَسَاءُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِ جُهْدَهُمْ وَطَاقَتَهُمْ, وَهَؤُلَاءِ خُصَمَاءُ اللَّهِ حَقًّا الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمُ الْحَدِيثُ "يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ؟ فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ" قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَائِيَّتِهِ2:
وَيُدْعَى خُصُومُ اللَّهِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ ... إِلَى النَّارِ طُرًّا فِرْقَةُ الْقَدَرِيَّةِ
سَوَاءٌ نَفَوْهُ أَوْ سَعَوْا لِيُخَاصِمُوا ... بِهِ اللَّهَ أَوْ مَارَوْا بِهِ لِلشَّرِيعَةِ
وَقَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: الْقَدَرِيَّةُ الْمَذْمُومُونَ فِي السُّنَّةِ وَعَلَى لِسَانِ السَّلَفِ هُمْ هَؤُلَاءِ الْفِرَقُ الثَّلَاثُ: نُفَاتُهُ وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ الْمَجُوسِيَّةُ. وَالْمُعَارِضُونَ بِهِ لِلشَّرِيعَةِ
__________
1 أخرجه السهمي في تاريخ جرحان "ص356" واللالكائي في أصول الاعتقاد "ح/ 1132 و1158 و1159" والطبراني في الأوسط "المجمع 7/ 208- 209" من حديث ابن عمر وفي سنده ضعف شديد. فيه محمد بن الفضل: كذبوه. وكرز بن وبرة: مجهول. ورواه ابن أبي عاصم في السنة "ح336" من طريق عمر رضي الله عنه. وسنده ضعيف. فيه حبيب بن عمر وهو ضعيف مجهول.
وهذا من أحاديث القدرية التي هي على أفرادها لا تخلو من مقال. وبمجموعها يطمئن القلب لها وسيأتي بعضها بعد قليل.
2 انظرها في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية "8/ 246".

الصفحة 949