كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 25)

وسار الحسن بن أحمد بعد ذلك إلى مصر، فنزل بعسكره عين شمس، وناشب المغاربة القتال، وانبثت سراياه في أرض مصر وبعث عمّالا إلى الصعيد تجبى الأموال، وضيّق على المغاربة ودوامهم القتال على خندق مدينتهم، يعنى الشريف بمدينتهم القاهرة المعزيّة، قال: فذكر أنّه هزمهم حتى عبر الخندق فامتنعوا منه بالسور، وعظم ذلك على المعز لدين الله وتحيّر في أمره، ولم يجسر أن يخرج بعسكره خارج الخندق، قال: وكان ابن الجرّاح الطائى في جمع عظيم مع الحسن بن أحمد القرمطى، وكان قوة لعسكره ومنعة ومقدّمة، فنظر القوم فإذا ليس لهم بالحسن بن أحمد طاقة، ففكّروا في أمره فلم يجدوا لهم حيلة غير فلّ عسكره، وعلموا أنّه لا يقدر على فلّه إلا بابن الجراح، وأنّ ذلك لا يتمّ إلا ببذل ما يطلبه من المال، فراسلوا ابن الجرّاح وبذلوا له مائة ألف دينار، على أن يفلّ لهم عسكر القرمطى فأجابهم إلى ذلك، ثم إنهم فكروا في أمر المال فاستعظموه، فعملوا دنانير من النحاس وطلوها بالذهب وجعلوها في أكياس، وجعلوا على رأس كل كيس منها دنانير يسيرة من الذهب تغطى ما تحتها وشدّوها وحملت لابن الجراح بعد أن استوثقوا منه، وعاهدوه ألا يغدر بهم إذا وصل إليه المال، فلما وصل إليه المال عمل على فلّ عسكره، وتقدم إلى كبراء أصحابه بأن يتبعوه إذا تواقف العسكران، وقامت الحرب فلما اشتدّ القتال ولىّ ابن الجرّاح منهزما، واتّبعه أصحابه في جمع كثير، فلما نظر إليه القرمطى قد انهزم بعد الاستظهار تحيّر ولزمه أن يقاتل هو ومن معه فاجتهد في القتال حتى تخلص، ولم تكن له بهم طاقة وكانوا قد بادروه من كل جانب، فخشى على نفسه وانهزم

الصفحة 312