كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 25)

وقد قال كعب بن مالك لامرأته: الحقي بأهلك (¬1)، حين أمره الشارع باعتزالها، فلم يكن ذلك طلاقًا، فدل خبر كعب على أن هذِه اللفظة مفتقرة إلى النية، وأن من قال لامرأته ذلك نوى، فإن لم ينو فلا شيء عليه، وهذا قول مالك والكوفيين والشافعي. قال غيره وكذلك سائر الكنايات المحتملات للفراق وغيره (¬2).
وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم وابن الماجشون جملة منها، وقال: لا شيء عليه بنى بها أو لم يبن، إلا أن ينوي طلاقًا فله ما نوى بعد أن يحلف على ذلك، ولا شك أن العصمة قائمة ولا تزول إلا بقصد؛ لقوله - عليه السلام -: "إنما الأعمال بالنيات".
وأما الألفاظ التي يكنى بها عن الطلاق، فأكثر العلماء لا يوقعون بها طلاقًا هان قصده القائل. وقال مالك: كل من أراد الطلاق بأي لفظ كان لزمه حتى يقول: كلي، واشربي، وقومي، واقعدي، ونحوه (¬3). والحجة له أن الله تعالى جعل الرمز، وهو الإيماء بالكلام في الكناية عن المراد يقوله: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وكما كان ما فعله المتلاعنان من تلاعنهما وتفرقهما طلاقًا، وإن لم يتلفظ به، وكذلك روي في المختلعة لما ردت عليه الحديقة، فأخذها وكان طلاقًا.
وقال الأثرم: قلت لأحمد إذا قال: الحقي بأهلك؟ قال: إن لم ينو طلاقًا فلا شيء، وذلك أن الذين تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهم
¬__________
(¬1) سبق برقم (4418).
(¬2) انظر: "شرح ابن بطال" 7/ 387 - 388، "الإشراف على مذاهب أهل العلم" 1/ 148 - 149.
(¬3) "المدونة" 2/ 285.

الصفحة 209