كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 25)

ثانيها: إن المضارة تقع في النفقة كهي في السكنى.
ثالثها: إن التضييق قد يكون في النفقة أيضًا، فعليه أن ينفق عليها ولا يضيق عليها فيها. وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] انتظمت فيها المبتوتة والرجعية.
ثم لا تخلو هذِه النفقة إما أن يكون وجوبها لأجل الحمل أو لأجل أنها محبوسة في بيته والأول باطل؛ لأنها لو كانت لأجل الحمل لوجب إذا كان للحمل مال أن ينفق عليه من ماله كما أن نفقة الصغير في مال نفسه، وأيضاً كان يجب في الطلاق الرجعي نفقة الحامل إذا كان له مال في ماله لنفقته بعد الولادة.
وكان يجب أن تكون نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها في نصيب الحمل من الميراث، فلما اتفق الجميع على أن النفقة في مال الزوج بطل أن يكون وجوب النفقة لأجل الحمل، وتعين أن يكون لأجل أنها محبوسة، وهذِه العلة موجودة في المبتوتة.
فإن قيل: فما فائدة تخصيص الحامل بالذكر في إيجاب النفقة؛ قيل له: قد دخلت فيه المطلقة الرجعية، ولم يمنع ذلك وجوب النفقة لغير الحامل، فكذلك في المبتوتة، وإنما ذكر الحمل؛ لأن مدته قد تطول وقد تقصر، فأراد إعلامنا بوجوب النفقة مع طول المدة التي هي في العادة أطول من مدة الحيض (¬1). وقال الطحاوي: أجمعوا أن قوله تعالى: {لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} أن الأمر هو الرجعة ثم قال: {أَسْكِنُوهُنَّ} إلى قوله: {وَلَا يَخْرُجْنَ} يعني: في العدة، ولم يفرق تعالى بين المطلقة للسنة التي لا رجعة
¬__________
(¬1) انظر: "أحكام القرآن للجصاص" 3/ 687 - 688 بتصرف.

الصفحة 530