كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 25)

وأيضًا فإن الله تعالى لما علقها بقوم دل على أنها غير واجبة؛ لأن الواجبات ما لزمت الناس عمومًا كالصلاة والصيام والحج والزكاة، فلما قال تعالى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] و {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] سقط وجوبها عن غيرهم، وكذلك تأول شريح فقال لرجل: متع إن كنت محسنًا متع إن كنت متقيًا. وعنه هي واجبة في قوله {عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وندب في {عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]
قال أبو عمر: هذا التفسير احتج به أصحابه له، ويجاب عنه بأنه ليس في ترك تحديدها ما يسقط وجوبها، كنفقات البنين والزوجات.
قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ولم نجد شيئًا مقدرًا فيما أوجب من ذلك، وقال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الآية [الطلاق: 7]، كما قال في الآية الأخرى: {على الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]. وقال - عليه السلام - لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬1). ولم يقدر.
قال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء أن المتعة المذكورة في القرآن غير مقدرة ولا محدودة ولا معلوم مبلغها ولا يوجَب قدرها، بل هي كما قال تعالى: {على الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وإنما اختلفوا في وجوبها:
فروى مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة ومتعها بوليدة (¬2)، وكان ابن سيرين يُمَّتعُ بالخادم أو النفقة أو الكسوة، ومتع الحسن بن علي زوجته بعشرة آلاف فقالت: متاعٌ قليلٌ من حبيبٍ
¬__________
(¬1) سلف برقم (2211).
(¬2) "الموطأ" ص 354.

الصفحة 599