الموضع منها لفضله على بقيتها فكان بأن يدل على فضلها على ما سواها أولى، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "على أنقاب (¬1) المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال (¬2) وهذا بين عن فضلها على البقاع التي لم تحرس من ذلك، وقوله: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد" (¬3)، ولا يجوز أن يسأل ربه أن يحبب إليه الأدنى على الأعلى، وما روي من إنكار عمر رضي الله عنه على عبد الله بن عياش المخزومي (¬4) في قوله: مكة خير من المدينة فقال: أنت القائل لمكة خير من المدينة فقال هي حرم الله وأمنه فقال عمر: لا أقول في حرم الله ولا في أمنه شيئًا (¬5).
ولا أحد أنكر عليه هذا الإنكار، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخلوق منها وهو خير البشر فتربتها أفضل الترب، ولأن فضل الهجرة يوجب أن يكون المقام بها طاعة وقربة والمقام بغيرها ذنبا ومعصية وذلك قال على فضلها على سائر البقاع.
فصل [1 - في تفضيل المساجد الثلاثة: المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد إيليا]:
الصلاة في كل المساجد متساوية الفضيلة إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام
¬__________
(¬1) أنقاب: جمع نقب وهي أبوابها.
(¬2) أخرجه البخاري في فضائل المدينة باب لا يدخل الدجال المدينة: 2/ 223، ومسلم في الحج باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال: 2/ 1005 ومالك: 2/ 892.
(¬3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة: 4/ 264، ومسلم في الحج باب الترغيب في السكنى المدينة والصبر على لأوائها: 2/ 1003 ومالك: 2/ 891.
(¬4) عبد الله بن عياش: ابن عباس القتباني، أبو حفص المصري صدوق يغلط، أخرج له مسلم في الشواهد من السابقة، مات سنة سبعين (تقريب التهذيب: 317).
(¬5) الموطأ: 2/ 894.