كتاب عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين
أثاروه من القضايا الدينية قضية تدوين المصحف واعتماد النسخة المدونة وإحراق ما سواها من النسخ، ولا يرد ذلك على لسان المعارضة، ولكن توحي به الرواية التالية:
قال سويد بن غفلة- مخضرم من كبار التابعين (ت (80) هـ) وعمره (130) سنة-: والله لا أحدثكم إلا شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب، سمعته يقول:
يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل إلا عن ملأ منا جميعاً، فقال: ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفراً؟
قلنا: فما ترى؟
قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف.
قلنا: فنعم ما رأيت.
قال- يعني علي رضي الله عنه-: فقيل: أي الناس أفصح؟ وأي الناس أقرأ؟
قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، وأقرأهم زيد بن ثابت.
فقال: ليكتب أحدهما، ويملي الآخر. ففعلا، وجمع الناس على مصحف قال علي: والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثل الذي فعل (¬1).
وقد عهد عثمان اعتماد النسخة الموحدة من المصحف إلى أربعة من الصحابة هم: زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن
¬__________
(¬1) ابن أبي داؤد: المصاحف 28 - 29 بإسناد صحيح، وابن عساكر: تاريخ دمشق، ترجمة عثمان 237، 238، 239 (ابن حجر: فتح الباري 9: 18).