كتاب عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الولي المنعم والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد .. فإن عصر الخلافة الراشدة امتداد لعصر السيرة النبوية حيث تؤثر القيم الإسلامية على الناس في نشاطهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتنعكس على الحكم في علاقته بالأمة من ناحية وبالقوى الخارجية من ناحية أخرى، وتؤثر في اختيار الحاكم وقيم التعامل معه من حيث الطاعة المشروطة بإنفاذ أحكام الشريعة، والحفاظ على وحدة الأمة، والشورى، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والاجتهاد الفردي والجماعي لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة فيما يتعلق بالوقائع الجديدة المتنوعة وخاصة بعد الانسياح في الهلال الخصيب وبلاد إيران ومصر حيث التماس مع حضارات قديمة ونظم اجتماعية واقتصادية عريقة. فلولا الاجتهاد لما أمكن إنزال الأحكام الشرعية على الوقائع القائمة. ولولا الانفتاح العقلي والروح الملهمة لما تمكن الفاتحون من التعامل مع المجتمعات الجديدة، وإكسابها الطابع الإسلامي، مع الاحتفاظ بتقدمها في المدنية والعمران.
إن المألوف في التاريخ هو ذوبان الأمم البدوية في الحضارات القوية حتى لو اكتسحها البدو عسكرياً، إذ سرعان ما تنحل عصبتهم وتذوب روح المقاومة فيهم، ويتطبعون بطابع الحياة الجديدة، ولكن ما حدث في التقاء الفاتحين المسلمين مع الأمم الأخرى هو تلاقح وتبادل عميقان، وكان للإسلام بقيمه الروحية والثقافية المنفتحة الأثر الكبير في أحداثهما، وقد مكنت العقيدة الإسلامية والقيم الثقافية المنبثقة عنها المسلمين من الحفاظ على شخصيتهم وقيمهم ولغتهم وأدبهم وطابع حياتهم، وتحويل المجمعات الجديدة التي حكموها وإكسابها الصبغة الإسلامية واللسان العربي الذي صار اللغة الأدبية العامة فضلاً عن كونها لغة الدولة والسياسة
الصفحة 7
530