كتاب أعمار الأعيان (اسم الجزء: تقديم)

عارفًا- من اللغة: مألوفها وغريبها، ونحوِها وصَرْفِها (¬١)، ثم التنبُّه للأعراف اللغوية لكل عَصر من العُصور (¬٢).
ثالثًا: إن من يعيد كتابة تاريخ من تواريخ السابقين، أو يحاول اختصار كتابٍ في علمٍ من العلوم، أو تهذيبَه، لابد أن يكون في عِلم صاحب الكتاب الأصلي، أو على درجةٍ مقارِبةٍ له، لأن المُعِيدَ أو المختصِر أو المهذِّب حينئذ يكون سميعًا بصيرًا، يعرف ماذا يأخذُ وماذا يدَع، ولذلك قَبِل أهلُ العِلم "مختصر صحيح مسلم" للحافظ المنذريّ، ومختصر "تفسير الطبريّ"، لأبي يحيى محمد ابن صُمادِح التُّجِيبِي، وتهذيب "أنساب السَّمعاني" وهو المسمَّى اللباب، لعز الدين بن الأثير، و"مختصر الأغاني" و"مختصر تاريخ دمشق" لابن عساكر، كلاهما لابن منظور صاحب "لسان العرب". وفي عصرنا الحديث قَبِلْنا "تهذيب الأغاني" للشيخ محمد الخضري، و"تهذيب سيرة ابن هشام" وتهذيب "الحيوان" للجاحظ، كلاهما لأستاذنا العلَّامة عبد السلام محمد هارون، برَّدَ اللهُ مَضْجَعَه.
رابعًا: إن الخدمة الحقيقية لتاريخنا إنما تكون بإعادة تحقيقه ونَشْره وَفْقَ
_________
(¬١) ليس على سبيل الإتقان والإحاطة، فهذا غير وارِدٍ وغير ممكن، ولكن على سبيل المعرفة التي تعصِم من الأخطاء الشَّنيعة البَلْقاء. يقول الحافظ المِزِّيّ في مقدمة كتابه تهذيب الكمال في أسماء الرجال ص ١٥٦: "وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون قد حَصَّل طَرَفًا صالحًا من علم العربية: نحوها ولغتِها وتصريفِها، ومِن علم الأصول والفُروع، ومن علم الحديث والتواريخ وأيَّامِ الناس".
وانظر شروط المؤرِّخ في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص ١١٤، وما بعدها، وطبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٢٣، وما بعدها، والوافي بالوفيات ١/ ٤٦.
(¬٢) تظهر المحنة في هذا الأمر واضحةً جليّة عند من يتصَدَّوْن للتاريخ المملوكيّ، وهو زاخر بالأعراف اللغوية والمصطلحات غير المألوفة إلَّا لمن جمع مراجع ذلك العصر: لغةً وأدبًا وتاريخًا، وعندى من ذلك أمثلة كثيرة، إذ كنت في بداياتي العلميّة أيامَ نَسْخ المخطوطات والعمل مع المستشرقين على صلة بذلك الأمر، وقد أشرت إلى شيء من ذلك في كتاب مدخل إلى التاريخ نشر التراث العربي ص ٢٢٧.

الصفحة 10