كتاب أعمار الأعيان (اسم الجزء: تقديم)

والتصنيف، وقد بلغ فيه شأوًا عظيمًا. وقد سبق قول الحافظ الذهبى عنه: "وما علمت أحدًا من العلماء صنَّف ما صنَّف هذا الرجل" ورُوِى أن ابن الجوزى سُئل عن عدد تصانيفه، فقال: "زيادة عن ثلاثمائة وأربعين مصنَّفًا، منها ما هو عشرون مجلدًا، ومنها ما هو كرّاسٌ واحد". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فى أجوبته المصرية: "كان الشيخ أبو الفرج مفتيًا كثيرَ التصنيف والتأليف. وله مصنَّفات فى أمور كثيرة، حتى عددتُها فرأيتُها أكثرَ من ألف مصنَّف، ورأيت بعد ذلك ما لم أرَه" (¬١).
يقول الحافظ الذهبىّ فى وصفه: "الشيخ الإمام العلَّامة، الحافظ المفسِّر، شيخ الإسلام مفخر العراق. . . . وكان رأسًا فى التذكير بلا مُدافَعَة، يقول النَّظمَ الرائق، والنَّثْرَ الفائق بَدِيهًا، ويُسْهِب، ويُعْجِب، ويُطْرِب، ويُطْنِب، لم يأت قبلَه ولا بعدَه مثلُه، فهو حامل لواء الوعظ، والقيِّم بفنُونه، مع الشكل الحسَن، والصوتِ الطيّب، والوقع فى النفوس، وحُسنِ السِّيرة، وكان بحرًا فى التفسير، علَّامةً فى السِّير والتاريخ، موصوفًا بحُسْن الحديث، ومعرفة فُنونه، فقيهًا، عليمًا بالإجماع والاختلاف، جيِّدَ المشاركة فى الطبّ، ذا تَفَتُّنٍ وفهمٍ وذكاءٍ وحفظٍ واستحضار، وإكباب على الجمع والتصنيف، مع التصوُّن والتجمُّل، وحُسن الشارة, ورشاقة العبارة، ولُطف الشمائل، والأوصاف الحميدة، والحرمة الوافرة عند الخاصّ والعامّ، ما عرَفْتُ أحدًا صنَّف ما صنَّف" (¬٢).
وقال الموفَّق عبد اللطيف البغدادىّ فى تأليفٍ له: "كان ابن الجوزى لطيفَ الصورة، حلوَ الشمائل، رخيمَ النَّغْمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذَ المفاكهة، يحضر مجلسَه مائةُ ألفٍ أو يزيدون، لا يُضيِّع من زمانه شيئًا، يكتبُ فى اليوم أربعَ كراريس، وله فى كلّ عِلم مشارَكة، لكنه كان فى التفسير من
_________
(¬١) الذيل على طبقات الحنابلة ١/ ٤١٣, ٤١٥.
(¬٢) سير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٦٥، ٣٦٧.

الصفحة 27