كتاب أعمار الأعيان (اسم الجزء: تقديم)

بالمتأخرين، وعلى ذِكر اللغويِّين والنحاة، فإن أوسع ترجمة وأشملها لواضع النحو أبي الأسود الدُّؤليّ، تراها في كتاب الأغاني (¬١).
وكذلك تجد أجود ترجمة وأحسن كلام عن أبي سعيد السِّيرافي النحويّ الكبير في كتاب الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيَّان التوحيديّ، وكان هذا شديدَ الإعظام لأبي سعيد، والتَّوقير له (¬٢).
وتنتثر التراجم أيضًا في معارف القوم وعلومهم: ففي موسوعات التفسير والحديث والفقه وأصوله وعلم الكلام، وكتب الأدب واللغة وشروح الشعر، وسائر فروع العلم، استطرادات مهمة في تراجم الرجال.
وأريد أن أذكِّر بما قلتُه في صدر هذه الكلمة الموجزة، من أن علم التاريخ الإسلامي بمعنى الحوادث والأحداث قد اختلط بعِلم التراجم والطبقات، كما أن هذا العلم اختلط أيضًا بكتب التاريخ القائمة أساسًا على الحوادث والأحداث، دخل كلٌّ منهما في نَسيج الآخر والتحم به، بل إن علومنا كلَّها يجذبُ بعضُها بعضًا، على نحو ما قال سفيان بن عُيَيْنَة: "كلامُ العرب بعضُه يأخذ برقاب بعض" (¬٣).
إن علم التاريخ عند المسلمين ليس كعلم التاريخ عند الأمم الأخرى: أحداثًا وَتَقَلُّباتِ أيامٍ ودُوَلٍ فقط، إن كُتُب التاريخ عندنا هي مَجْلَي حضارتنا وثقافتنا العربية والإسلاميّة كلّها:
_________
(¬١) فقد جاءت الترجمة في ٣٨ صفحة من القطع الكبير، وذلك في الجزء الثاني عشر، من ص ٢٩٧ - ٣٣٤، والعلّةُ في ذلك واضحة، وهي جامعة "التَّشيُّع" التي تجمع بين أبي الأسود وأبي الفرج، ولكنّ أبا الفرج أفادنا فوائد جيّدة في ترجمة أبي الأسود. وأُنَبِّه هنا إلى أن الصَّفَديّ قد اعتبر "كتاب الأغاني" من مصادر كُتُب التاريخ، ووضعه في قائمة "التواريخ الجامعة" كتاريخ الطبري وما إليه، انظر الوافي بالوفيات ١/ ٥٠.
(¬٢) الإمتاع والمؤانسة ١/ ١٠٨، وما بعدها، ثم انظر مواضع أخرى من فهارس الأعلام للكتاب. وانظر أيضًا فهارس الأعلام من كتاب البصائر والذخائر ١٠/ ٤٢، وفهارس الأعلام من الصداقة والصديق ص ٤٧٥، ومن مثالب الوزيرين ص ٣٧٠، ومن المقابسات ص ٣٩٠، ٣٩١.
(¬٣) الأغاني ١٨/ ١٧٠ (أخبار ابن مناذر).

الصفحة 8