كتاب أعمار الأعيان (اسم الجزء: تقديم)

إن علماءَ الحديث يُخَرِّجون أحاديثهم من "تاريخ بغداد" للخطيب البغداديّ، وأهلَ الأدب يجمعون أشعار الشعراء من "تاريخ دمشق" لابن عساكر، وكذلك يجمعون الشِّعر من كُتُب الجغرافيا العربية: معجم ما استعجم للبكري، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، والروض المعطار للحميري، كما جمعوا منها التراجم من قبل.
بل إن اللغة والشعر يُجمعان من كُتُب النبات وكُتُب الهيئة، كالذي تراه في كتاب النبات لأبي حنيفة الدَّيْنَورِيّ، وكتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي. والحديث في هذا ونحوه مما يطُولُ جدًّا.
* * *

وهذا الذي ذكرتُه على سبيل الوَجازة والاختصار -وقد فاتني منه الكثير- يدلُّك، إن شاء الله، على اتِّساع دائرة علم التاريخ عند المسلمين: أحداثًا وتراجمَ، ولعلَّه يُزَهِّدُكَ في تلك الدعوة التي تُثار بين الحِين والآخر: وهي دعوة (إعادة كتابة التاريخ الإسلامي) على ما يرى بعضُهم مِن نَبْذ الكتاب القديم، بعد استخلاص مُجْملِهِ، وتخليصه من الشوائب التي فيه، ثم تقديمه بلغة العصر. وذلك كلُّه مَرْكَبٌ صَعْبٌ وطريقٌ مَخُوف، وهو ما يَخْبِطُ الناسُ فيه خَبْطًا شديدًا، وليس هنا موضع الردّ على هذه القضيّة، لكن لا بأْسَ من التذكير ببعض الأمور:
أولًا: إذا ثَبت عندك اتِّسَاعُ دائرة التاريخ الإسلامي، فإن من يُحاول إعادة كتابة ذلك التاريخ لابدَّ أن يكون على معرفة بمراجع التاريخ الإسلاميّ بفَرْعَيْه: الأحداث والتَّراجم، ثم ما يتناثر منه في تضاعيف الفُنون الأخرى، كما حدَّثْتُك قربيًا.
ثانيًا: اللغة هي الباب الأول في ثقافة أيّ أمَّةٍ من الأمم، فواجبٌ على من يتصدّى لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي أن يكون متضلِّعًا -أو على الأقلّ

الصفحة 9