كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ. لاسْمِكَ. فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَال: أَمَّا إِذ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ"
ــ
صاحب ذلك الصوت للسحاب (اسق) يا سحاب مطرك (حديقة فلان) وأمطر عليها ذاكرًا ذلك الآمر للسحاب (لاسمك) الذي ذكرت لي وبينت لي الآن فأمر الهاتف للسحاب بسقي حديقتك أمر عجيب وسببه غريب (فـ) بين لي (ما تصنع فيها) أي في ثمارها من الخير أي فبين أي شيء تنفق فيه ثمارها أي أي شيء تعمل فيها من الخير حتى تستحق هذه الكرامة (قال) صاحب الحديقة (أما إذ قلت هذا) فأما شرطية وإذ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بالجواب المحذوف، وقلت بمعنى سألت وهذا مفعوله والتقدير أما وقت سؤالك عن هذا الذي أصنع فيها (فـ) أقول لك (إني أنظر إلى ما يخرج منها) أي من هذه الحديقة من الثمار وأحسب قدره وأقسمه إلى ثلاثة أثلاث (فأتصدق بثلثه) على الفقراء والمساكين (فآكل أنا وعيالي ثلثًا) منها (وأرد) أي وأصرف (فيها) أي في هذه الحديقة أي وأنفق (ثلثه) أي ثلث ما يخرج منها في مؤنة عملها وهذا المصارف هي التي أصرف فيها ثمارها إذا حصلت لي. وقوله (فأتصدق بثلثه) فيه فضيلة الصدقة فوق مقدار الزكاة، وفيه استحباب أن يجعل المرء حصة معلومة من دخله للإنفاق في سبيل الله ويعزله عن استعماله فإنه يعينه على كثير عن أعمال البر والخير.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات، ولكنه شاركه أحمد في مسنده [٢/ ٢٩٦]، وابن حبان [٥/ ١٤٧].
(تفسير المفردات) الفلاة من الأرض هي القفر (والحديقة) البستان، وسميت بذلك لأنها أحدق بها حاجز قالوا: وأصله كل ما أحاط به البناء، والحديقة أيضًا القطعة من النخل (تنحى ذلك السحاب) أي اعتمد وقصد والنحو في أصله هو القصد، والحرة أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار، والشرجة مسيل الماء وهي بفتح الشين وسكون الراء، وتجمع على شراج وشروج، ومن قال شرجة بفتح الراء فقد أخطأ المعروف من اللغة واستوعبت جمعت فتتبع الماء أي تبعه، وفي هذا الحديث دليل على صحة إثبات كرامات الأولياء، وأن الولي قد يكون له مال وضيعة ولا يناقض قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" أخرجه أحمد [١/ ٣٧٧]، والترمذي [٢٣٢٨] لما قدمنا من أن المقصود بالنهي إنما هو لمن اتخذها مستكثرًا

الصفحة 404