كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

عنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَينَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"
ــ
عنه في (١٢) بابًا (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي المدني، ثقة، من (٤) روى عنه في (١١) بابا (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني، ثقة، من (٣) روى عنه في (٤) أبواب (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (أنه) أي أن أبا هريرة (سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن العبد ليتكلم بالكلمة) أي بالكلام المفيد فائدة تامة يحسن سكون المتكلم عليها بحيث لا ينتظر السامع كلامًا آخر لأنه هو المراد منها لأن الكلمة قول مفرد وضع لمعنى ذاتًا أو معنى كزيد وضرب فهي لا تفيد فهي هنا نظير قولهم (لا إله إلا الله) كلمة إيمان (ينزل) ويهوي (بها في) قعر (النار) وفي رواية البخاري "يزل بها" ومعناهما متقارب أي يسقط بها إلى أعماق جهنم بقدر مسافة كانت (أبعد) من (ما بين) أي من المسافة التي بين (المشرق والمغرب) ومعنى هذا الكلام إن الإنسان ليتكلم بكلمة لا يتدبرها ولا يتفكر في قبحها ولا يلقي إليها بالًا مع أنه بسببها يدخل النار، وفيه حض على التدبر والتفكر في الكلمة عند إرادة التكلم بها والله أعلم، وتلك الكلمة كالكلمة التي يتكلم بها عند والٍ جائر يرضيه بها وفيها سخط الله تعالى، وقيل هي كلمة الرفث والخنا، وككلمة التعريض بمسلم بفعل كبيرة أو بمجون، وقال ابن بطال: وهي التي يقولها عند السلطان الجائر بالبغي أو السعي على المسلم فتكون سببًا لهلاكه وإن لم يرد القائل ذلك لكنها ربما أدت إلى ذلك ويكتب على القائل إثمها.
وعبارة التحفة هنا (إن العبد) أي إن الإنسان (ليتكلم بالكلمة) أي الواحدة (لا يرى بها بأسًا) فهو (يهوي بها) أي يسقط بسبب تلك الكلمة، يقال هوى يهوي من باب رمى هويًا بالفتح سقط إلى أسفل كذا في مختار الصحاح (أبعد ما بين المشرق والمغرب) لما فيها من الأوزار التي غفل عنها، والمراد أنه يكون دائمًا في صعود وهوي.
وقال النووي: وفي هذا الحديث حث على حفظ اللسان كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت لا وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه فإن ظهرت مصلحته تكلم وإلا أمسك اهـ.

الصفحة 411