كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ. وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلانُ، قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ"
ــ
قال النووي: كذا في معظم النسخ المعتمدة في مسلم (معافاة) بالتاء المثناة من فوق مراعاة للفظ الأمة، ووقع في رواية البخاري (معافى) بلا تاء التأنيث نظرًا إلى لفظ كل، وعلى كلا التقديرين هو اسم مفعول من المعافاة المشتقة من العافية وهي السلامة، وهي إما بمعنى عفا الله عنهم، أو بمعنى سلمهم الله وأعطاهم العافية من العذاب أي كلهم معفو لهم بالسلامة من العذاب (إلا المجاهرين) أي إلا المستهزئين بالذنوب يصبحون يخبرون بها ويتحدثون بمعاصيهم وقد سترهم الله تعالى عليها فاستثناهم الله من معافاته كذا في الأبي. وقوله (إلا المجاهرين) كذا وقع منصوبًا في أكثر الروايات عند البخاري ومسلم، ووقع في رواية النسفي للبخاري إلا المجاهرون بالرفع، وصوابه عند البصريين بالنصب لكون المستثنى منه مذكورًا وهو أمتي، وأول بعضهم رواية الرفع بأن إلا بمعنى لكن مخففة والمجاهرون مبتدأ خبره محذوف تقديره لكن المجاهرون لا يعافون، والمجاهر هو الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها لغير ضرورة ولا حاجة أو ارتكب المعصية علنًا بمحضر من الناس، ودل الحديث على كون المجاهرة بالمعصية أشد وأشنع من ارتكابها في الخلوات، قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها. قال السنوسي: والمجاهرون هم الذين جاهروا وأظهروا بمعاصيهم ولم يستتروا بستر الله تعالى فيها فاستثناهم الله تعالى من معافاته لكن فضله سبحانه وتعالى ورحمته وسعت كل شيء اهـ سنوسي (وإن من الإجهار) والإظهار بالمعاصي (أن يعمل العبد بالليل) أي في الليل في خلوته (عملًا) سيئًا (ثم يصبح) أي يدخل في الصباح و (قد ستره ربه) تبارك وتعالى على عمله السيء (فيقول) في الصباح مستهزئًا بعمله (يا فلان قد عملت البارحة) أي في هذه الليلة القريبة إلينا (كذا وكذا) من الذنوب كقوله زنيت ببنت فلان وسرقت مال فلان (وقد بات يستره ربه) أي وقد وإن ربه ساترًا له طول ليله، وجملة بات حال من فاعل يقول. وقوله (فيببت يستره ربه) جملة مستأنفة ذكرها توطئة لما بعدها وهو قوله (ويصبح يكشف ستر الله عنه)

الصفحة 417