كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا. وَاللهُ حَسِيبُهُ. وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا. أَحْسِبُهُ، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ، كَذَا وَكَذَا"
ــ
أحدكم مادحًا صاحبه) أي مريدًا مدحه (لا محالة) أي لا بد له من مدحه (فليقل أحسب) أي أظن (فلانًا) كذا وكذا (والله حسيبه) أي كافيه علمًا بحاله (ولا أزكي) وأطهر (على الله) أي عنده تعالى (أحدًا) من الناس من العيب، وقوله فليقل (أحسبه إن كان يعلم ذاك كذا وكذا) فيه تقديم وتأخير.
والمعنى أي لا أقطع على عاقبة أحد ولا على ضميره لأن ذلك مغيب عني ولكن فليقل أحسب فلانًا كذا وكذا أي عالمًا كريمًا إن كان يعلم ذاك المدح من ظاهر حاله، قال النووي: ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث الواردة في النهي عن المدح، وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمدح في الوجه، قال العلماء: وطريق الجمع بينها أن النهي محمول على المجازفة والإطراء في المدح والزيادة في الأوصاف أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب وكبر ونحوهما إذا سمع المدح، وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشاطه لفعل الخير وازدياده منه أو دوامه عليه أو اقتداء الناس به كان مستحبًا والله سبحانه وتعالى أعلم، وقال القاضي عياض: وهذا النهي فيما يتغالى فيه من المدح ووصف الإنسان بما ليس فيه أوفيمن يخاف عليه الإعجاب والفساد وإلا فقد مُدح - صلى الله عليه وسلم - ومُدح بحضرته فلم ينكر بل حض كعب بن زهير على بعض هذا، وأما مع القصد في المدح فلا نهي واحتج لجواز القصد في المدح بحديث "إنه لا يقبل الثناء إلا من مكافئ أو مقتصد" وبحديث "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح" (ط) الإطراء تجاوز الحد في المدح اهـ من الأبي.
قوله (لا محالة) مصدر ميمي من حال يحيل حيلة وحيلولة ومحالة أي لا حيلة له في ترك مدحه ولا غنى له عنه لتيقنه ذلك الوصف فيه بحسب ظاهر حاله. وقوله (أحسب فلانًا) من باب ضرب أي أظنه كذا وكذا (والله حسيبه) أي محاسبه على ما يظهر من حاله وعلى ما أضمره في باله، قال القاضي: وهذا أمر للمادح بأن يقول ذلك ولا يقطع بما فيه بل يمدحه بحسب ظاهره.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الأدب باب ما

الصفحة 439