كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ. فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ. فَقَال: "إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي. وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ. فَبَينَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ
ــ
كلامه (فإذا أتى) الغلام (الساحر ضربه) الساحر لتأخره (فشكا) الغلام (ذلك) أي ضرب الساحر له (إلى الراهب) أي أخبره على سبيل الشكوى إليه (فقال) الراهب للغلام (إذا خشيت) وخفت (الساحر) أي ضربه (فقل) له (حبسني أهلي) أي أخزني أهلي عن الحضور إليك في أول الدوام (وإذا خشيت أهلك) أي ضربهم (فقل) لهم (حبسني الساحر) أخرّني الساحر لشغل الدراسة عنكم.
قال القاضي عياض: في هذا الحديث جواز الكذب للضرورة لا سيما في الله تعالى والدفع عن الإيمان ومع من أراد أن يصد عنه، قال القرطبي: وجه الاستدلال به كونه - صلى الله عليه وسلم - ذكره في معرض الثناء على الراهب والغلام واستحسان فعلهما إذ لو كان غير جائز لبينه - صلى الله عليه وسلم - والبيان لا يؤخر عن وقت الحاجة، وقال الأبي ويحتمل أن يكون ذلك تورية لا كذبًا لأن الغلام لا يصل إلى أهله إلا بعد المُكث عند الساحر والراهب، والتورية في قوله حبسني أهلي أبين وأوضح لأنه الأهل حقيقة إنما هم المرشدون له إلى السعادة فأراد بهذا اللفظ يعني لفظ الأهل الراهب وكذلك قوله لأهله حبسني الساحر يُمكن تأويله على التورية بأنه لا يصل إلى أهله إلا بعد المُكث عند الساحر والراهب جميعًا فيصدق قوله حبسني الساحر لأنه كان أحد الحابسين له اهـ من الأبي بزيادة.
(فبينما هو) أي ذلك الغلام كائن (كذلك) أي مترددًا بين أهله وبين الساحر والراهب مع كذبه بالأهل والساحر أو المعنى فبينما هو كائن كذلك أي ملازمًا للراهب مترددًا إليه، والراهب واحد رهبان النصارى وهو من اعتزل من الناس إلى دير طلبًا للعبادة، والصومعة على زنة جوهرة بيت للنصارى ينقطع فيه رهبانهم اهـ من التحفة (إذ) فجائية رابطة لجواب بينما أي فبينما أوقات تردده إلى الساحر ومروره على الراهب فاجأه أن (أتى) ومر (على دابة عظيمة) أي فاجأه إتيانه ومروره على دابة عظيمة أي شديدة الافتراس على الناس (قد حبست الناس) ومنعتهم عن المرور في الطريق أي تعرضت في الطريق فمنعت الناس من المرور ووقع في رواية الترمذي قول بعض الرواة أن الدابة

الصفحة 452