كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

فَقَال النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ. آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ. آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ. فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ، وَاللهِ، نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ. قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالأُخدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ. وَقَال: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ
ــ
حرام؟ فالجواب أنه قد علم أنه لا بد أن يُقتل وإنما نجاته الآن بطريق الكرامة لإحقاق الحق فأمره بما يتضح به الحق على جميع الناس فيؤمنوا فيكون سببًا لهدايتهم وهذا كالمجاهد يقحم نفسه في معركة القتال لإعلاء كلمة الله تعالى اهـ منه.
(فقال الناس) المجتمعون في الصعيد (آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام) بالتكرار ثلاثًا للتأكيد (فأتي الملك فقيل له) بالبناء للمجهول في الفعلين أي أتاه آت فقال له (أرأيت ما كنت تحذر) منه من إيمان الناس أي أخبرني عما كنت تحذر وتخاف منه من الإيمان بالله فإنه (قد والله نزل بك حذرك) أي قد وقع ما كنت تحذر وتخاف منه، فإنه (قد آمن الناس) كلهم، وفي رواية الترمذي "ثم مات، فقال أناس: لقد علم هذا الغلام علمًا ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام، قال: فقيل للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثة -أي الأعمى والراهب والغلام- فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال: فخدّ أخدودًا" الحديث (فأمر) الملك (بـ) شق (الأخدود) بضم الهمزة وسكون المعجمة الشق العظيم يُجمع على أخاديد (في أفواه السكك) أي على أبواب الطرق ومداخلها (فخُدّت) الأخدود وشقت وحُفرت على أفواهها بضم الخاء المعجمة على صيغة المبني للمجهول والسكك بكسر السين المهملة جمع سكة وهي الطريق وأفواهها أبوابها ومداخلها، وإنما شق الأخدود على مداخل الطريق لئلا يتمكن الناس من الهروب (وأضرم النيران) أي أوقدها وأشعلها (وقال) ذلك الملك (من لم يرجع عن دينه) دين التوحيد (فأحموه) أي فأحرقوه (فيها) أي في هذه النيران التي اضرمت في الأخدود، قوله (فأحموه فيها) بفتح الهمزة من الإحياء أي ارموه فيها من قولهم أُحميت الحديدة وغيرها إذا أدخلتها النار لتحمى أي لتصير حارة، قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ "فاحموه" بهمزة قطع بعدها حاء ساكنة، ونقل القاضي اتفاق النسخ على هذا، ووقع في بعض نسخ بلادنا (فأقحموه) بالقاف وهذا ظاهر ومعناه اطرحوه فيها كرهًا اهـ وبهذا اللفظ رواه النسائي (أو قيل له) أي لمن لا يرجع عن دينه (اقتحم) أي ادخل هذه النار فيدخل

الصفحة 458