كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَينَا جَمِيعًا. فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمُقُنِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ. ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ. فَقَال هَكَذَا، بِيَدِهِ. يَعْنِي شُدَّ وَسَطَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "يَا جَابِرُ" قُلْتُ: لَبَّيكَ. يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: "إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَينَ طَرَفَيهِ. وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوكَ"
ــ
(رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدينا جميعًا) بصيغة التثنية أي بيد كل واحد منا (فدفعنا) أي أخرنا ورجعنا عن مكاننا إلى ورائه (حتى أقامنا خلفه) أي وراءه أي فأقامنا خلفه، وفي الحديث تعليمهما سنة الموقف للمقتدي في صلاة الجماعة إن كان واحدًا يقوم عن يمين الإمام لا عن يساره، وإن كانا اثنين قاما خلف الإمام، قال النووي: وفي الحديث دلالة على أنه لا يكره العمل اليسير في الصلاة إذا كان لحاجة فإن لم يكن لحاجة كُره، وفيه أن موقف الاثنين وراء الإمام وهو مذهب كافة العلماء، وقال ابن مسعود: يقفان بجانبيه اهـ (فجعل) أي شرع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقني) بضم الميم أي ينظر إليّ نظرًا متتابعًا من رمقت الشيء إذا أتبعته النظر اهـ نووي، وقال في المصباح: رمقه بعينه رمقًا من باب قتل أطال النظر إليه اهـ (وأنا) أي والحال أني (لا أشعر) ولا أعلم نظره إليّ أولًا (ثم فطنت) من بابي فرح ومنع أي انتبهت وعرفت (به) أي بنظره إلي أخيرًا (فقال هكذا بيده) أي أشار بيده هكذا أي يعني شده على وسطك، وقوله (يعني) النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإشارة (شد وسطك) تفسير لاسم الإشارة، قال القاضي عياض: وفي الحديث جواز الإشارة في الصلاة لا سيما لمصلحة الصلاة وكذلك العمل اليسير لرد جابر من يساره إلى يمينه وتقدم جميع ذلك في كتاب الصلاة (فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من صلاته (قال) لي (يا جابر، قلت: لبيك يا رسول الله) فـ (قال إذا كان) ثوبك (واسعًا فخالف) أي فالبسه مخالفًا (بين طرفيه) كهيئة الصبيان في بعض البلاد (وإذا كان) ثوبُك (ضيقًا) ينكشف عندما خالفت بين طرفيه (فأشدده) أي فاربطه (على حقوك) والحقو بفتح الحاء وكسرها مع سكون القاف معقد الإزار من الجسد وهو الخصر والمراد منه هنا ما فوق السرة وقد يُسمى الإزار حقوًا لكونه فيه، ومنه الحديث "فأعطاني حقوه" ودل الحديث على جواز الصلاة برداء واحد يتزر به الرجل بحيث يستر ما بين سرته وركبته فقط وأرشد النبي

الصفحة 479